يرجون منهم الانتهاء لو استمروا في عظتهم، ولا أقل من انتهاء بعضهم ولو بعض الانتهاء، وليكون ذلك معذرة منهم إلى الله سبحانه بإظهار أنهم غير موافقين لهم في فسقهم منزجرون عن طغيانهم بالتمرد.
ولذلك أجابوا عن قولهم: " لم تعظون " الخ، بقولهم: " معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون " أي إنما نعظهم ليكون ذلك عذرا إلى ربكم، ولانا نرجو منهم أن يتقوا هذا العمل.
وفي قولهم: " إلى ربكم " حيث أضافوا الرب إلى اللائمين ولم يقولوا إلى ربنا إشارة إلى أن التكليف بالعظة ليس مختصا بنا بل أنتم أيضا مثلنا يجب عليكم أن تعظوهم لان ربكم لمكان ربوبيته يجب أن يعتذر إليه، ويبذل الجهد في فراغ الذمة من تكاليفه والوظائف التي أحالها إلى عباده، وأنتم مربوبون له كما نحن مربوبون فعليكم من التكاليف ما هو علينا.
قوله تعالى: " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء " المراد بنسيانهم ما ذكروا انقطاع تأثير الذكر في نفوسهم وإن كانوا ذاكرين لنفس التذكر حقيقة فإنما الاخذ الإلهي مسبب عن الاستهانة بأمره والاعراض عن ذكره، بل حقيقة النسيان بحسب الطبع مانع عن فعليه التكليف وحلول العقوبة.
فالانسان يطوف عليه طائف من توفيق الله يذكره بتكاليف هامة إلهية ثم إن استقام وثبت، وإن ترك الاستقامة ولم يزجره زاجر باطني ولا ردعه رادع نفساني عدا حدود الله بالمعصية غير أنه في بادئ أمره يتألم تألما باطنيا ويتحرج تحرجا قلبيا من ذلك ثم إذا عاد إليها ثانيا من غير توبة زادت صورة المعصية في نفسه تمكنا، وضعف أثر التذكير وهان أمره، وكلما عاد إليها وتكررت منه المخالفة زادت تلك قوة وهذه ضعفا حتى يزول أثر التذكير من أصله، ساوى وجوده عدمه فلحق بالنسيان في عدم التأثير، وهو المراد بقوله: " فلما نسوا ما ذكروا " أي زال أثره كأنه منسي زائل، الصورة عن النفس.
وفي الآية دلالة على أن الناجين كانوا هم الناهين عن السوء فقط، وقد أخذ الله الباقين، وهم الذين يعدون في السبت والذين قالوا: " لم تعظون " الخ.