تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٩٧
سريع العقاب لمن شاء أن يعاقبه في الدنيا، وإن كان الأنسب أن يقال: إن ذلك معنى قوله: " إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم "، ويرتفع به ما يمكن أن يتوهم أن كونه تعالى سريع العقاب ينافي كونه حليما لا يسرع إلى المؤاخذة.
قوله تعالى: " وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون " إلى آخر الآية. قال:
في المجمع: دون في موضع الرفع بالابتداء، ولكنه جاء منصوبا لتمكنه في الظرفية، ومثله على قول أبي الحسن " لقد تقطع بينكم " هو في موضع الرفع فجاء منصوبا لهذا المعنى، وكذلك في قوله: " يوم القيامة يفصل بينكم " بين في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل، وإن شئت كان التقدير: ومنهم جماعة دون ذلك فحذف الموصوف وقامت صفته مقامه. انتهى.
والمراد بالحسنات والسيئات نعماء الدنيا وضراءها والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب " إلى آخر الآية، العرض ما لا ثبات له، ومنه قوله تعالى: " عرض الحياة الدنيا " النساء: 94 أي ما لا ثبات له من شؤنها، والمراد بعرض هذا الأدنى عرض هذه الحياة الدنيا والدار العاجلة غير أنه أشير إليها بلفظ التذكير لاخذها شيئا ليس له من الخصوصيات إلا أن يشار إليه تجاهلا بخصوصياتها تحقيرا لشأنها كأنها لا يخص بنعت من النعوت يرغب فيها، وقد تقدم نظيره في قول إبراهيم عليه السلام على ما حكاه الله. " هذا ربي هذا أكبر " الانعام: 78 يريد الشمس.
وقوله: " ويقولون سيغفر لنا " قول جزافي لهم قالوه، ولا معول لهم فيه إلا الاغترار بشعبهم الذي سموه شعب الله كما سموا أنفسهم أبناء الله وأحباءه، ولم يقولوا ذلك لوعد النفس بالتوبة لان ذلك قيد لا يدل عليه الكلام، ولا أنهم قالوا ذلك رجاء للمغفرة الإلهية فإن للرجاء آثارا لا تلائم هذه المشيئة إذ رجاء الخير لا ينفك عن خوف الشر الذي يقابله وكما أن الرجاء يستدعي شيئا من ثبات النفس وطيبها كذلك الخوف يوجب قلق النفس واضطرابها ومساءتها فآية الرجاء الصادق توسط النفس بين سكون واضطراب، وجذب ودفع، ومسرة ومساءة، وأما من توغل في شهوات نفسه وانغمر في لذائذ الدنيا من غير أن يتذكر بعقوبة ما يجنيه ويقترفه ثم إذا ردعه رادع من نفسه
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»
الفهرست