قال: فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء فلما أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوا فلم يجاوبوا ولم يسمعوا منها حس أحد فوضعوا فيها سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدنية فنظر فإذا هو بالقوم قرد يتعاونون ولهم أذناب فكسروا الباب فعرفت الطائفة أنسابها من الانس، ولم يعرف الانس أنسابها من القردة فقال القوم للقردة: أ لم ننهكم؟.
فقال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرء النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا، وقد قال الله: فبعدا للقوم الظالمين، فقال الله: " وأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ".
أقول: ورواه العياشي في تفسيره عن أبي عبيده عن أبي جعفر عليه السلام. وروى هذا المعنى في الدر المنثور عن عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عكرمة عن ابن عباس غير أن فيها أن المذكورين في الآية حي من اليهود من أهل إيلة وظاهره أنهم كانوا من بني إسرائيل ورواية أبي جعفر عليه السلام تصرح بأنهم كانوا من قوم ثمود، وليس من البعيد أن يكونوا قوما من عرب ثمود دخلوا في دين اليهود لقرب دارهم وجوارهم فإن إيلة كما يقال: كانت بلدة بين مصر والمدينة على شاطئ البحر.
وربما قيل: إن القرية التي أشارت إليها الآية هي مدين، وقيل: هي طبرية، وقيل: هي قرية يقال لها: مقنا، بين مدين وعينونا.
وفي رواية ابن عباس التي أشرنا إليها وغيرها مما روى عنه أيضا أنه كان يبكي ويقول: نجى الناهون، وهلك الفاعلون، ولا أدري ما فعل بالساكتين، وفي رواية عكرمة: قلت لابن عباس: أي جعلني الله فداك أ لا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم؟ قال: فأمرني فكسيت ثوبين غليظين.
يريد أنه استحسن قولي بنجاتهم لكراهتهم فعلهم واعتقادهم بأنهم معاقبون لا محالة فخلع علي بثوبين، وأخذ بقولي.
وقد أخطأ عكرمة فإن القوم وإن كانوا كرهوا فعلهم ولم يشاركوهم في الصيد