تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٤٦
راجع إلى الأشياء المدلول عليها بقوله قبلا: " من كل شئ " من المواعظ وتفاصيل الآداب والشرائع والاخذ بالأحسن كناية عن ملازمة الحسن في الأمور واتباعه واختياره فإن من يهم بأمر الحسن في الأمور إذا وجد سيئا وحسنا اختار الحسن الجميل، وإذا وجد حسنا وأحسن منه اضطره حب الجمال إلى اختيار الأحسن وتقديمه على الحسن فالأخذ بأحسن الأمور لازم حب الجمال وملازمة الحسن فكني به عنه، والمعنى: وأمر قومك يجتنبوا السيئات ويلازموا ما تهدي إليه التوراة من الحسنات، ونظير الآية في التكنية قوله تعالى: " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب " الزمر: 18.
وقوله: " سأريكم دار الفاسقين " ظاهر السياق أن المراد بهؤلاء الفاسقين هم الذين يفسقون بعدم ائتمار قوله: " وأمر قومك يأخذوا بأحسنها " على ما تقدم من معناه من ملازمة طريق الاحسان في الأمور واتباع الحق والرشد فإن من فسق عن الطريق صرفه الله عن الصراط المستقيم إلى تتبع السيئات والميل عن الرشد إلى الغي كما يفصله في الآية التالية فكانت عاقبة أمره خسرانا وآل أمره إلى الهلاك.
وعلى هذا فما في الآية التالية: " سأصرف عن آياتي " الآية تفسير أو كالتفسير لقوله: " سأريكم دار الفاسقين " وقيل المراد بدار الفاسقين جهنم، وفي الكلام تهديد وتحذير، وقيل المراد بها منازل فرعون وقومه بمصر، وقيل: منازل عاد وثمود، وقيل المراد دار العمالقة وغيرهم بالشام وأن الله سيدخلهم فيها فيرونها، وقيل: المراد سيجيئكم قوم فساق تكون الدولة لهم عليكم.
قوله تعالى: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها الآية تقييد التكبر في الأرض بغير الحق مع أن التكبر فيها لا يكون إلا بغير الحق كتقييد البغي في الأرض بغير الحق للتوضيح لا للاحتراز ويراد به الدلالة على وجه الذم في العمل وأن التكبر كالبغي مذموم لكونه بغير الحق.
وأما ما قيل: أن القيد احترازي للدلالة على أن المراد هو التكبر المذموم دون التكبر الممدوح كالتكبر على أعداء الله والتكبر على المتكبر، وهو تكبر بالحق ففيه أن المذكور في الآية ليس مطلق التكبر بل التكبر في الأرض، وهو الاستعلاء على
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست