إنما تبينوا ضلالهم بعد رجوع موسى إليهم كما تفصل ذلك سورة طه لكنه سبحانه كأنه قدم الآية لأنها مشتملة على حديث ندامتهم على ما صنعوا وتحسرهم مما فات منهم، وقد أظهروا ذلك بقولهم: " لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين " والاحرى بالندامة والحسرة أن يذكرا مع ما تعلقنا به من غير فصل طويل، ولذا لما ذكر اتخاذهم العجل في الآية الأولى وصله بندامتهم وحسرتهم في الآية الثانية.
ولان ذيل حديث رجوع موسى في الآية التالية مشغول بدعائه لنفسه وأخيه ففصل بينه وبين هذا الذي هو صورة دعاء.
قوله تعالى: " ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا " إلى آخر الآية الأسف بكسر السين صفة مشبهة من الأسف وهو شدة الغضب والحزن والخلافة القيام بالامر بعد غيره، والعجلة طلب الشئ وتحريه قبل أوانه على ما ذكره الراغب يقال: عجلت أمرا كذا أي طلبته قبل أوانه الذي له بحسب الطبع فمعنى الآية: ولما رجع موسى إلى قومه وهو في حال غضب وأسف لما أخبره الله تعالى لدى الرجوع بأن قومه ضلوا بعبادة العجل بعده فوبخهم وذمهم بما صنعوا وقال: بئسما خلفتموني من بعدي أ عجلتم أمر ربكم وطلبتموه قبل بلوغ أجله، وهو أمر من بيده خيركم وصلاحكم ولا يجري أمرا إلا على ما يقتضيه حكمته البالغة، ولا يؤثر فيه عجلة غيره ولا طلبة ولا رضاه إلا بما شاء، والظاهر أن المراد بأمر ربهم أمره الذي لأجله واعد موسى لميقاته، وهو نزول التوراة.
وربما قيل: إن معنى " أ عجلتم أمر ربكم ": أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربكم: وقيل: المعنى استعجلتم وعد الله وثوابه على عبادته فلما لم تنالوه عدلتم إلى عبادة غيره؟ وقيل: المعنى أعجلتم عما أمركم به ربكم وهو انتظار رجوع موسى حافظين لعهده فبنيتم على أن الميقات قد بلغ آخره ولم يرجع إليكم فغيرتم هذا، وما قدمناه من الوجه أنسب بالسياق.
وبالجملة اشتد غضب موسى عليه السلام لما شاهد قومه ووبخهم وذمهم بقوله: " بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم " وهو استفهام انكاري - " وألقى الألواح " وهي ألواح التوراة " وأخذ برأس أخيه قابضا على شعره يجره إليه " وقد قال له - فيما