تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٤٤
المعارف والحكم والشرائع ليبلغه الناس سواء كان التحميل بواسطة ملك أو بتكليم بلا واسطة ملك فهي غير الكلام وإن حملت بكلام فإن الكلام أمر، والمعاني التي يتلقاها السامع منه أمر آخر.
والمراد بالكلام هو ما شافه به الله سبحانه من غير واسطة ملك وبعبارة أخرى هو ما يكشف به عن مكنون الغيب، وأما أن يكون من نوع الكلام الدائر بيننا معاشر الانسان فلا فإن الكلام عندنا هو أنا نصطلح ونتعهد فيما بيننا على تخصيص صوت مخصوص من الأصوات لمعنى من المعاني لينتقل ذهن السامع إلى ذلك المعنى ثم نتوسل عند إرادة تفهيمه إلى إيجاد تموج خاص في الهواء يبتدي منا وينتهي إلى السامع لننقل به ما في ضميرنا إلى ضمير السامع المخاطب والتكلم بهذا الوجه يستلزم التجسم في المتكلم والله سبحانه منزه عنه، ومجرد إيجاد الصوت وتمويج الهواء بإيجاد أسباب الصوت في مكان لا يدل على كون المعاني التي ينتقل إليها الذهن مقصودة لله سبحانه ما لم تكشف الإرادة بأمر آخر وراء نفس الصوت كما أن من أوجد منا بدق أو ضرب أو نحوهما صوتا يدل على معنى لم نحكم بإرادته ذلك ما لم يكشف من حاله أو مقاله قبلا أنه قاصد لمعنى ما يوجده من الأصوات.
وما كلم به الله سبحانه موسى عليه السلام مما حكاه القرآن الشريف خال عن سؤال الدليل على كونه كلامه، وعلى كونه تعالى مريدا لمعناه فلم يسأل موسى ربه حين سمع النداء من جانب الطور الأيمن من الشجرة: هل هذا منك يا رب؟ وهل أنت مريد معناه بل أيقن بذلك إيقانا، ونظير الكلام جار في سائر أقسام الوحي غير الكلام.
وهذا يكشف كشفا قطعيا عن ارتباط خاص من السامع بإرادة مصدر الكلام والوحي يوجب الانتقال إلى المعنى المقصود وإلا فمجرد صدور صوت له معنى مفهوم في اللغة منه تعالى لا يستلزم صحة الانتساب إليه تعالى ولا كونه كلامه كيف؟ وجميع الألفاظ الصادرة من المتكلمين بما أنها أصوات تنتهي إليه تعالى وليست كلاما له تعالى بل المتكلم بها غيره، وكثيرا ما يحدث من تصادم الأجسام المختلفة أصوات ذوات معان في اللغة ولا نعده كلاما له تعالى.
وبالجملة تكليمه تعالى هو إيجاده اتصالا وارتباطا خاصا بين مخاطبه وبين الغيب
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست