الآية بقوله: " ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " الآية وبما في غيرها من الآيات وبعض الروايات من جوازها في الآخرة، ويؤولون ما عدا ذلك على ما هو شأن الأبحاث الكلامية عندهم وربما استدل لذلك بأنه لا دليل على وجوب انحصار الرؤية البصرية في الجسمانيات فمن الجائز أن يتعلق بغير الأمور المادية. وبأن الابصار يتعلق بالجوهر والعرض، ولا جامع بينهما إلا الموجود المطلق فكل موجود يمكن إن يتعلق به الابصار وإن لم يكن جسما أو جسمانيا.
وقد اتضح بطلان هاتين الحجتين وما يسانخهما من الحجج والأقاويل في هذه الأزمنة اتضاحا كاد يلحق بالبديهيات.
وعلى أي حال لا يهمنا إيراد ما أوردوه من الجانبين من نقض وإبرام فمن أراد الوقوف عليها أمكنه أن يراجع الكتب الكلامية ومطولات تفاسير الفريقين.
والذي تحصل من سابق بحثنا - أولا - أن الرؤية البصرية سواء كانت على هذه الصفة التي هي عليها اليوم أو تحولت إلى أي صفة أخرى هي معها مادية طبيعية متعلقة بقدر وشكل ولون وضوء تعملها أداة مادية طبيعية فإنها مستحيلة التعلق بالله سبحانه في الدنيا والآخرة، وعليه يدل البرهان وما ورد من الآيات والروايات في نفي الرؤية.
نعم هناك علم ضروري خاص يتعلق به تعالى غير العلم الضروري الحاصل بالاستدلال تسمى رؤية، و إياه تعني الآيات والروايات الظاهرة في إثبات الرؤية لما فيها من القرائن الكثيرة الصريحة في ذلك، وموطن هذه المعرفة الآخرة.
و - ثانيا - أن قوله تعالى: " رب أرني أنظر إليك " الآية أجنبية أصلا عن الرؤية البصرية الحسية إثباتا ونفيا وسؤالا وجوابا، وإنما يدور الكلام فيها مدار الرؤية بالمعنى الآخر الذي هو رؤية القلب بحسب ما اصطلح عليه في الروايات.
وقد روى الصدوق في العيون فيما سأله المأمون عن الرضا عليه السلام أنه أجاب عن سؤال الرؤية في الآية، أن موسى إنما سأل ذلك عن لسان قومه لا لنفسه فإنهم لما قالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ثم أحياهم الله سألوا موسى أن يسأله لنفسه فرد عليهم بالاستحالة فأصروا عليه فقال: " رب أرني " أي على ما يقترحه علي قومي.