حكى الله في سورة طه: " يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا إلا تتبعن أفعصيت أمري " (1)؟.
" قال " هارون يا " ابن أم " وإنما خاطبه بذكر أمهما دون أن يقول: يا أخي أو يا ابن أبي للترقيق وتهييج الرحمة " أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " لما خالفتهم في أمر العجل ومنعتهم عن عبادته " فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " بحسباني كأحدهم في مخالفتك، وكان مما قال له - على ما حكاه الله في سورة طه - أني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (2).
وظاهر سياق الآية وكذا ما في سورة طه من آيات القصة أن موسى غضب على هارون كما غضب على بني إسرائيل غير أنه غضب عليه حسبانا منه أنه لم يبذل الجهد في مقاومة بني إسرائيل لما زعم أن الصلاح في ذلك مع أنه وصاه عند المفارقة وصية مطلقة بقوله: " أصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " وهذا المقدار من الاختلاف في السليقة والمشية بين نبيين معصومين لا دليل على منعه، وإنما العصمة فيما يرجع إلى حكم الله سبحانه دون ما يرجع إلى السلائق وطرق الحياة على اختلافها.
وكذا ما فعله موسى بأخيه من أخذ رأسه يجره إليه كأنه مقدمة لضربه حسبانا منه إنه استقل بالرأي زاعما المصلحة في ذلك وترك أمر موسى فما وقع منه إنما هو تأديب في أمر إرشادي لا عقاب في أمر مولوي وإن كان الحق في ذلك مع هارون، ولذلك لما قص عليه القصص عذره في ذلك، ودعا لنفسه ولأخيه بقوله رب اغفر لي ولأخي الخ.
وقد وجه قوله: " وأخذ برأس أخيه يجره إليه " بوجوه أخر:
الأول: أن موسى إنما فعل ذلك مستعظما لفعلهم مفكرا فيما كان منهم كما يفعل الانسان ذلك بنفسه عند الوجد وشدة الغضب فيقبض على لحيته ويعض على شفته فأجرى موسى أخاه هارون مجرى نفسه فصنع به ما يصنع الانسان بنفسه عند الغضب والأسف.
الثاني: أنه أراد أن يظهر ما اعتراه من الغضب على قومه لاكباره منهم ما صاروا