قوله تعالى: " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات " السنون جمع سنة وهي القحط والجدب، وكان أصله سنة القحط ثم قيل: السنة إشارة إليها ثم كثر الاستعمال حتى تعينت السنة لمعنى القحط والجدب.
والله سبحانه يذكر في الآية - ويقسم - أنه أخذ آل فرعون وهم قومه المختصون به من القبطيين بالقحوط المتعددة ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون.
وهما نوعان من الآيات التي أرسلها الله إلى آل فرعون، وظاهر السياق أنه أرسل ما أرسل منهما فصلا فصلا، ولذا جمع السنين ولا يصدق الجمع إلا مع الفصل بين سنة وسنة. على أنه يقول: " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه " الآية. وظاهره الحسنة التي بعد السيئة ثم السيئة التي بعد هذه الحسنة.
قوله تعالى: " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه " إلى آخر الآية. كانوا إذا جاءهم الخصب ووفور النعمة وسعة الرزق بعد ارتفاع السنة ونقص الثمرات قالوا: " لنا هذه " يريدون به الاختصاص وإنما قلنا: إنهم كانوا يقولون ذلك بعد ارتفاع السنة ونقص الثمرات لان الانسان بحسب الطبع لا ينتقل إلى ذكر النعمة بما هي نعمة، ولا يتنبه لقدرها إلا بعد مشاهدة النقمة التي هي خلافها، ولا داعي يدعو آل فرعون إلى ذكر النعمة الحسنة وتخصيصها بأنفسهم لولا أنهم رأوا خلافها وعدوه أمرا بدعا لم يكونوا رأوه قبل ذلك فاطيروا بموسى ومن معه ثم إذا بدلت السيئة حسنة عدوها لأنفسهم فالتطير عند السيئة بحسب الوقوع قبل قولهم في الحسنة: لنا هذه وأن كان الامر بحسب الطبع على خلاف ذلك بمعنى أنهم لو لم يزعموا ولم يرتكز في نفوسهم من اعتيادهم بالرفاهية ووفور النعمة والخصب أنهم مخصوصون بذلك يملكونه لم يتطيروا بموسى عند نزول المصيبة عليهم فإن من لم تروحه الراحة والعافية لا يتحرج عن خلافهما.
ولعل هذا هو الوجه في تقديمه تعالى اغترارهم بالنعمة قبل تطيرهم عند النقمة ثم ذكر الحسنة بكلمة " إذا " والسيئة بلفظة " إن " حيث قال: " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " فقد جعل مجئ الحسنة كالأصل الثابت فذكره بإذا والتعريف بلام الجنس، ثم ذكر إصابة السيئة بطريق الشرط، ونكر السيئة ليدل على ندرتها وكونها اتفاقية.