وإذا صح أن ناحيته تعالى جهته ووجهه صح بالجملة أن كل ما ينسب إليه تعالى نوعا من نسبة القرب كأسمائه وصفاته وكدينه، وكالأعمال الصالحة وكذا كل من يحل في ساحة قربه كالأنبياء والملائكة والشهداء وكل مغفور له من المؤمنين وجه له تعالى.
وبذلك يتبين أولا: معنى قوله سبحانه: (وما عند الله باق) (النحل: 96)، وقوله: (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته) (الأنبياء: 19)، وقوله: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه) (الأعراف: 206)، وقوله فيمن يقتل في سبيل الله: (بل أحياء عند ربهم يرزقون) (آل عمران: 169)، وقوله: (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه) (الحجر: 21)، فالآيات تدل بانضمام الآية الأولى إليهن أن هذه الأمور كلها باقية ببقائه تعالى لا سبيل للهلاك والبوار إليها، ثم قال تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه) (القصص: 88) فدل الحصر الذي في الآية على أن ذلك كله وجه لله سبحانه وبعبارة أخرى كلها واقعة في جهته تعالى مستقرة مطمئنة في جانبه وناحيته.
وثانيا: أن ما تتعلق به إرادة العبد من ربه هو وجهه كما في قوله: (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) (المائدة: 2)، وقوله: (إبتغاء رحمة من ربك) (الاسراء:
28)، وقوله: (وابتغوا إليه الوسيلة) (المائدة: 35) فكل ذلك وجهه تعالى لان صفات فعله تعالى كالرحمة والمرضاة والفضل ونحو ذلك من وجهه، وكذلك سبيله تعالى من وجهه على ما تقدم، وقال تعالى: (لا ابتغاء وجه الله) (البقرة: 272).
وقوله: (ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ) الحساب هو استعمال العدد بالجمع والطرح ونحو ذلك، ولما كان تمحيص الأعمال وتقديرها لتوفية الاجر أو أخذ النتيجة ونحوهما لا يخلو بحسب العادة من استعمال العدد بجمع أو طرح سمى ذلك حسابا للأعمال.
وإذ كان حساب الأعمال لتوفية الجزاء، والجزاء إنما هو من الله سبحانه فالحساب على الله تعالى أي في عهدته وكفايته كما قال: (إن حسابهم إلا على ربى) (الشعراء:
113)، وقال: (ثم إن علينا حسابهم) (الغاشية: 26) وعكس في قوله: (إن الله كان على كل شئ حسيبا) (النساء: 86) للدلالة على سلطانه تعالى وهيمنته على كل شئ.
وعلى هذا فالمراد من نفى كون حسابهم عليه أو حسابه عليهم نفى أن يكون هو