منك ناري وأهل معصيتي فأجرى المائين على الطين ثم قبض قبضة بيده وهى يمين فخلقهم خلقا كالذر ثم أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وعليكم طاعتي؟ قالوا: بلى، فقال للنار:
كونى نارا فإذا نارا تأجج (1)، وقال لهم: قعوا فيها فمنهم من أسرع، ومنهم من أبطأ في السعي، ومنهم من لم يبرح مجلسه فلما وجدوا حرها رجعوا فلم يدخلها منهم أحد.
ثم قبض قبضة بيده فخلقهم خلقا مثل الذر مثل أولئك ثم أشهدهم على أنفسهم مثل ما أشهد الآخرين، ثم قال: لهم قعوا في هذه النار فمنهم من أبطأ، ومنهم من أسرع ومنهم من مر بطرف العين فوقعوا فيها كلها (2)، فقال: اخرجوا منها سالمين فخرجوا لم يصبهم شئ.
وقال الآخرون: يا ربنا أقلنا نفعل كما فعلوا، قال: قد أقلتكم فمنهم من أسرع في السعي، ومنهم من لم يبرح مجلسه مثل ما صنعوا في المرة الأولى، فذلك قوله:
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون). أقول: هذه الرواية والتي قبلها من روايات الذر وسيأتى استيفاء البحث عنها في سورة الأعراف في تفسير قوله تعالى: (وإذ أخرج ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى) الآية.
ومحصلها أنه كما أن لنظام الثواب والعقاب في الآخرة ارتباطا تاما بنشأة أخرى قبلها وهى نشأة الدنيا من حيث الطاعة والمعصية كذلك للطاعة والمعصية في الدنيا ارتباط تام بنشأة أخرى قبلها رتبه.
وهى عالم الذر.
فالمراد بقوله في الرواية: فذلك قوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا) الخ، أن معنى الآية ولو ردوا من عرصات الحشر إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون من عالم الذر إذ كذبوا الله فيه، وهذا هو المراد بعينه بقوله عليه السلام في الرواية الأولى: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه إنهم ملعونون في الأصل أي في عالم الذر لكذبهم فيه.
وعلى هذا فالروايتان تشتملان على وجه رابع في تفسير الآية غير الوجوه الثلاثة