تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ٢٨٦
كما كان كذلك في أول مرة كونته الخلقة، وأن المزاعم التي انضمت إلى حياته من التكثر بالأسباب والاعتضاد والانتصار بالأموال والأولاد والأزواج والعشائر والجموع، وكذا الاستشفاع بالأرباب من دون الله المؤدى إلى الاشراك كل ذلك مزاعم وأفكار باطلة لا أثر لها في ساحة التكوين أصلا.
فالانسان جزء من أجزاء الكون واقع تحت التدبير الإلهي متوجه إلى الغاية التي غياها الله سبحانه له كسائر أجزاء الكون، ولا حكومة لشئ من الأشياء في التدبير والتسيير الإلهي إلا أنها أسباب وعلل ينتهى تأثيرها إليه تعالى من غير أن تستقل بشئ من التأثير.
غير أن الانسان إذا ركبته يد الخلقة وأو جدته فوقع نظره إلى زينة الحياة والأسباب والشفعاء الظاهرة وجذبته لذائذ الحياة تعلقت نفسه بها ودعته ذلك إلى التمسك بذيل الأسباب والخضوع لها، وألهاه ذلك عن توجيه وجهه إلى مسبب الأسباب وفاطرها والذي إليه الامر كله فأعطاها الاستقلال في السببية لا هم له إلا أن ينال لذائذ هذه الحياة المادية بالخضوع للأسباب فصار يلعب طول الحياة الدنيا بهذه المزاعم والأوهام التي أوقعته فيها نفسه المتلهية بلذائذ الحياة المادية، واستوعب حياته اللعب بالباطل والتلهي به عن الحق كما قال تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) (العنكبوت: 64).
فهذا هو الذي يسوق إليه تعليم القرآن حيث يذكر أن الانسان إذا خرج عن زي العبودية نسى ربه فأداه ذلك إلى نسيان نفسه قال تعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) (الحشر: 19).
لكن الانسان إذا فارقت نفسه البدن بحلول الموت بطل ارتباطه بجميع الأسباب والعلل والمعدات المادية التي كانت ترتبط بها من جهة البدن وتتصل بها في هذه النشأة الدنيوية وشاهد عند ذلك بطلان استقلالها واندكاك عظمتها وتأثيرها فوقعت عين بصيرته على أن امره أولا وآخرا إلى ربه لا غير أن لا رب له سواه ولا مؤثر في شأن دونه.
فقوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) إشارة إلى حقيقة الامر، وقوله: وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) الخ، بيان لبطلان الأسباب الملهية له عن ربه المتخللة بين أول خلقه وبين يوم يقبض فيه إلى ربه، وقوله: (لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) بيان لسبب انقطاعه من الأسباب وسقوطها عن الاستقلال
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346