من ينهى القراءات المختلفة إلى قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو القراءة عليه ونحوهما ففيه الالتزام بورود جميع الاشكال السابقة كما هو ظاهر.
واعلم أن هذه الأبحاث إنما تتأتى على تقدير كون الآية نازلة بمكة، وأما على ما وقع في بعض الروايات من أن الآية نزلت بالمدينة فلا محل لأكثرها.
قوله تعالى: (وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) المراد بهذا العلم الذي علموه ولم يكونوا يعلمونه هم ولا آباؤهم ليس هو العلم العادي بالنافع والضار في الحياة مما جهز الانسان بالوسائل المؤدية إليه من حس وخيال وعقل فإن الكلام واقع في سياق الاحتجاج مربوط به ولا رابطة بين حصول العلوم العادية للانسان من الطرق المودعة فيه وبين المدعى وهو أن من لوازم الألوهية أن تهدى الانسان إلى سعادته وتنزل على بعض أفراده الوحي والكتاب.
وليس المراد بها أن الله أفاض عليكم العلم بأشياء ما كان لكم من أنفسكم أن تعلموا كما يفيده قوله تعالى: و (جعل لكم السمع والابصار والأفئدة) (النحل: 78) وقوله:
(الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم) (العلق: 5)، فإن السياق كما عرفت ينافي ذلك.
فالمراد بالآية تعليم ما ليس في وسع الانسان بحسب الطرق المألوفة عنده التي جهز بها أن ينال علمه. وليس إلا ما أوحاه الله سبحانه إلى أنبيائه وحملة وحيه بكتاب أو بغير كتاب من المعارف الإلهية والاحكام والشرائع فإنها هي التي لا تسع الوسائل العادية التي عند عامة الانسان أن تنالها.
ومن هنا يظهر أن المخاطبين بهذا الكلام أعني قوله: (وعلمتم ما لم تعلموا) الخ، ليسوا هم المشركين إذا لم يكن عندهم من معارف النبوة والشرائع الإلهية شئ بين يعرفونه ويعترفون به والذي كانوا ورثوه من بقايا آثار النبوة من أسلاف أجيالهم ما كانوا ليعترفوا به حتى يصح الاحتجاج به عليهم من غير بيان كاف وقد وصفهم الله بالجهل في أمثال قوله: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله) (البقرة: 118).
فالخطاب متوجه إلى غير المشركين، وليس بموجه إلى المسلمين أما أولا: فلان السياق سياق الاحتجاج، ولو كان الخطاب متوجها إليهم لكان اعتراضا في سياق الاحتجاج