تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٠
والثاني من القولين احتجاج بوجود معارف وإحكام إلهية بين الناس ليس من شأنها أن تترشح من الانسان الاجتماعي من حيث مجتمعه بما له من العواطف والأفكار التي تهديه إلى ما يصلح حياته من الغذاء والمسكن واللباس والنكاح وجلب المنافع ودفع المضار والمكاره فهذه الأمور التي في مجرى التمتع بالماديات هي التي يتوخاها الانسان بحسب طبعه الحيواني، وأما المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة الطيبة والشرائع الحافظة بالعمل بها لهما فليست من الأمور التي ينالها الانسان الاجتماعي بشعوره الاجتماعي وأنى للشعور الاجتماعي ذلك؟ وهو إنما يبعث الانسان إلى استخدام جميع الوسائل التي يمكنه أن يتوسل بها إلى مآربه في الحياة الأرضية، ومقاصده في المأكل والمشرب والمنكح والملبس والمسكن وما يتعلق بها ثم يدعوه إلى أن يكسر مقاومة كل ما يقاومه في طريق تمتعه إن قدر على ذلك أو يصطلحه على التعاضد والاشتراك في المنافع ورعاية العدل في توزيعها إن لم يقدر عليه، وهو سر كون الانسان اجتماعيا مدنيا كما تبين في أبحاث النبوة في البحث عن قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين) الآية (البقرة: 213) في الجزء الثاني من الكتاب، وسنزيده وضوحا إن شاء الله. وبالجملة فالآية أعني قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره) تدل بما لها من الضمائم على أن من لوازم الألوهية أن تهدى الانسان إلى مستقيم الصراط ومنزل السعادة بإنزال الكتاب والوحي على بعض أفراده، وتستدل على ذلك بوجود بعض الكتب المنزلة من الله في طريق الهداية أولا، وبوجود ما يدل على تعاليم إلهية بينهم لا ينالها الانسان بما عنده من العقل الاجتماعي ثانيا.
قوله تعالى: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) القراءة الدائرة تجعلونه بصيغة الخطاب والمخاطبون به اليهود لا محالة، وقرئ (يجعلونه) بصيغة الغيبة، والمخاطب المسؤول عنه بقوله: (من أنزل الكتاب الخ)، حينئذ اليهود أو مشركوا العرب على ما قيل، والمراد يجعل الكتاب قراطيس وهى جمع قرطاس إما جعله في قراطيس بالكتابة فيها، وإما جعله نفس القراطيس بما فيها من الكتابة فالصحائف والقراطيس تسمى كتابا كما تسمى الألفاظ المدلول عليها بالكتابة كتابا.
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346