(بيان) الآيات لا تخلو عن ارتباط بما قبلها فإنها تفتتح بالمحاجة في خصوص إنزال الكتاب على أهل الكتاب إذ ردوا على النبي صلى الله عليه وآله بقولهم: (ما أنزل الله على بشر من شئ)، والآيات السابقة تعد إيتاء الكتاب من لوازم الهداية الإلهية التي أكرم بها أنبياءه.
فقد بدأت الكلام بمحاجة أهل الكتاب ثم تذكر أن أظلم الظلم أن يشرك بالله افتراء عليه أو يظلم في باب النبوة بإنكار ما هو حق منها أو دعوى ما ليس بحق منها كالذي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله.
ثم تذكر الآيات ما يؤول إليه أمر هؤلاء الظالمين عند مسألة الموت إذا غشيتهم غمراته والملائكة باسطوا أيديهم، ثم تتخلص إلى ذكر آيات توحيده تعالى وذكر أشياء من أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ) قدر الشئ وقدره بالتحريك كميته من عظم أو صغر ونحوهما يقال: قدرت الشئ قدرا وقدرته بالتشديد تقديرا إذا بينت كمية الشئ وهندسته المحسوسة ثم توسع فيه فاستعمل في المعاني غير المحسوسة فقيل: قدر فلان عند الناس وفي المجتمع أي عظمته في أعين الناس ووزنه في مجتمعهم وقيمته الاجتماعية.
وإذ كان تقدير الشئ وتحديده بحدود لا ينفك غالبا عن وصفه بأوصافه المبينة لحاله المستتبعة لعرفانه أطلق القدر والتقدير على الوصف وعلى المعرفة بحال الشئ - على نحو الاستعارة. - فيقال قدر الشئ وقدره أي وصفه، ويقال: قدر الشئ وقدره أي عرفه، فاللغة تبيح هذه الاستعمالات جميعا.
ولما كان الله سبحانه لا يحيط بذاته المتعالية حس ولا وهم ولا عقل وإنما يعرف معرفة ما بما يليق بساحة قدسه من الأوصاف وينال من عظمته ما دلت عليه آياته وأفعاله صح استعمال القدر فيه تعالى بكل من المعاني السابقة فيقال: ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه بما يليق بساحته من العظمة أو ما وصفوه حق وصفه أو ما عرفوه حق معرفته.
فالآية بحسب نفسها تحتمل كلا من المعاني الثلاثة أو جميعها بطريق الالتزام لكن الأنسب