والولاية وغير ذلك.
وإذا قصد به المعنى المصدري أريد به إيجاد الحكم وجعله إما بحسب التشريع والتقنين كما يجعل أهل التقنين أحكاما صالحة ليجرى عليها الناس ويعملوا بها في مسير حياتهم لحفظ نظام مجتمعهم، وإما بحسب التشخيص والنظر كتشخيص القضاة والحكام في المنازعات والدعاوى أن المال لفلان والحق مع فلان وكتشخيص أهل الفتيا في فتاواهم وقد يراد به إنفاذ الحكم كحكم الوالي والملك على الناس بما يريدان في حوزة الولاية والملك.
والظاهر من الحكم في الآية ة بقرينة ذكر الكتاب معه أن يكون المراد به معنى القضاء فيكون المراد من إيتاء الكتاب والحكم إعطاء شرائع الدين والقضاء بحسبها بين الناس كما هو ظاهر عدة من الآيات كقوله تعالى: (وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) (البقرة: 213) وقوله: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) (المائدة: 44) وقوله: (لتحكم بين الناس بما أراك الله) (النساء: 105) وقوله: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) (الأنبياء: 78) وقوله:
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) (ص: 26) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة، وإن كان مثل قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) (الشعراء: 83) لا يأبى بظاهره الحمل على المعنى الأعم.
وأما النبوة فقد تقدم في تفسير قوله: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين) الآية (البقرة: 21) أن المراد بها التحقق بأنباء الغيب بعناية خاصة إلهية وهى الانباء المتعلقة بما وراء الحس والمحسوس كوحدانيته تعالى والملائكة واليوم الآخر.
وعد هذه الكرامات الثلاث التي أكرم الله سبحانه بها سلسلة الأنبياء عليهم السلام أعني الكتاب والحكم والنبوة في سياق الآيات الواصفة لهداه تعالى يدل على أنها من آثار هداية الله وبها يتم العلم بالله تعالى وآياته فكأنه قيل: تلك الهداية التي جمعنا عليها الأنبياء عليهم السلام وفضلناهم بها على العالمين هي التي توردهم صراطا مستقيما وتعلمهم الكتاب المشتمل على شرائعه، وتسددهم وتنصبهم للحكم بين الناس، تنبهم أنباء الغيب.