فهذا حال كلام الانسان المبنى على ما يحصل عنده من العلم، وأما كلام الله سبحانه فمن الواجب أن نجله عن هذه النقيصة، وهو المحيط بكل شئ علما وقد قال تعالى في صفة كلامه: " انه لقول فصل وما هو بالهزل ".
وهذا من وجوه الاخذ بإطلاق كلامه تعالى فيما كان بظاهره مطلقا لم يعقب بقيد متصل أو منفصل، ومن وجوه إشعار الوصف في كلامه بالعلية فإذا قال: " يحبهم " فليس يبغضهم في شئ والا لاستثنى، وإذا وصف قوما بأنهم أذلة على المؤمنين كان من الواجب أن يكونوا أذلاء لهم بما هم مؤمنون أي لصفة أيمانهم بالله سبحانه، وأن يكونوا أذلاء في جميع أحوالهم وعلى جميع التقادير، والا لم يكن القول فصلا.
نعم هناك معان تنسب إلى غير صاحبها إذا جمعها جامع يصحح ذلك كما في قوله:
" ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين " (الجاثية: 16)، وقوله: " هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج " (الحج: 78)، وقوله: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " (آل عمران: 110)، وقوله: " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " (البقرة: 143)، وقوله: " وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " (الفرقان: 30) إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على أوصاف اجتماعية يتصف بها الفرد والمجتمع وليس شئ من ذلك جاريا مجرى التسامح والتساهل بل هي أوصاف يتصف بها الجزء والكل، والفرد والمجتمع لعناية متعلقة بذلك كمثل حفنة من تراب مشتملة على جوهرة يقبض عليها لأجل الجوهرة فالتراب مقبوض والجوهرة مقبوضة والأصل في ذلك الجوهرة، ولنرجع إلى ما كنا فيه:
أما قوله: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " فالمراد بالارتداد والرجوع عن الدين بناء على ما مر هو موالاة اليهود والنصارى، وخص الخطاب فيه بالمؤمنين لكون الخطاب السابق أيضا متوجها إليهم، والمقام مقام بيان أن الدين الحق في غنى عن إيمانهم المشوب بموالاة أعداء الله، وقد عده الله سبحانه كفرا وشركا حيث قال:
" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " لما أن الله سبحانه هو ولى دينه وناصره، ومن نصرته لدينه أنه سوف يأتي بقوم برآء من أعدائه يتولون أولياءه ولا يحبون إلا إياه.
وأما قوله: " فسوف يأتي الله بقوم " نسب الاتيان إلى نفسه ليقرر معنى نصره لدينه