تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٣٨٣
المفهوم من السياق المشعر بأن لهذا الدين ناصرا لا يحتاج معه إلى نصرة غيره، وهو الله عز اسمه.
وكون الكلام مسوقا لبيان انتصار الدين بهؤلاء القوم تجاه من يقصده هؤلاء الموالون لأعدائه من الانتصار القومي، وكذا التعبير بالقوم والاتيان بالأوصاف والافعال بصيغة الجمع كل ذلك مشعر بأن القوم الموعود إيتاؤهم إنما يبعثون جماعة مجتمعين لا فرادى ولا مثنى كأن يأتي الله سبحانه في كل زمان برجل يحب الله ويحبه الله ذليل على المؤمنين عزيز على الكافرين يجاهد في سبيل الله لا يخاف لومة لائم.
وإتيان هذه القوم في عين أنه منسوب إليهم منسوب إليه تعالى وهو الآتي بهم لا بمعنى أنه خالقهم إذ لا خالق إلا الله سبحانه قال: " الله خالق كل شئ " (الزمر: 62) بل بمعنى أنه الباعث لهم فيما ينتهزون إليه من نصرة الدين، والمكرم لهم بحبه لهم وحبهم له، والموفق لهم بالتذلل لأوليائه، والتعزز لأعدائه، والجهاد في سبيله، والاعراض عن كل لائمة، فنصرتهم للدين هي نصرته تعالى له بسببهم ومن طريقهم، وقريب الزمان وبعيده عند الله واحد، وإن كانت أنظارنا لقصورها تفرق في ذلك.
وأما قوله تعالى: " يحبهم ويحبونه " فالحب مطلق معلق على الذات من غير تقييده بوصف أو غير ذلك، أما حبهم لله فلازمه إيثارهم ربهم على كل شئ سواه مما يتعلق به نفس الانسان من مال أو جاه أو عشيرة أو غيرها، فهؤلاء لا يوالون أحدا من أعداء الله سبحانه، وإن والوا أحدا فإنما يوالون أولياء الله بولاية الله تعالى.
وأما حبه تعالى لهم فلازمه برأتهم من كل ظلم، وطهارتهم من كل قذارة معنوية من الكفر والفسق بعصمة، أو مغفرة إلهية عن توبة، وذلك أن جمل المظالم والمعاصي غير محبوبة لله كما قال تعالى: " فإن الله لا يحب الكافرين " (آل عمران: 32) وقال: " والله لا يحب الظالمين " (آل عمران: 57) وقال: " انه لا يحب المسرفين " (الانعام: 41) وقال: " والله لا يحب المفسدين " (المائدة: 64) وقال: " إن الله لا يحب المعتدين " (البقرة: 190) وقال: " إنه لا يحب المستكبرين " (النحل: 23) وقال: " إن الله لا يحب الخائنين " (الأنفال: 58) إلى غير ذلك من الآيات.
وفى هذه الآيات جماع الرذائل الانسانية، وإذا ارتفعت عن إنسان بشهادة محبة الله له اتصف بما يقابلها من الفضائل لان الانسان لا مخلص له عن أحد طرفي الفضيلة والرذيلة إذا تخلق بخلق.
فهؤلاء هم المؤمنون بالله حقا غير مشوب إيمانهم بظلم وقد قال تعالى: " الذين آمنوا
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390