المفهوم من السياق المشعر بأن لهذا الدين ناصرا لا يحتاج معه إلى نصرة غيره، وهو الله عز اسمه.
وكون الكلام مسوقا لبيان انتصار الدين بهؤلاء القوم تجاه من يقصده هؤلاء الموالون لأعدائه من الانتصار القومي، وكذا التعبير بالقوم والاتيان بالأوصاف والافعال بصيغة الجمع كل ذلك مشعر بأن القوم الموعود إيتاؤهم إنما يبعثون جماعة مجتمعين لا فرادى ولا مثنى كأن يأتي الله سبحانه في كل زمان برجل يحب الله ويحبه الله ذليل على المؤمنين عزيز على الكافرين يجاهد في سبيل الله لا يخاف لومة لائم.
وإتيان هذه القوم في عين أنه منسوب إليهم منسوب إليه تعالى وهو الآتي بهم لا بمعنى أنه خالقهم إذ لا خالق إلا الله سبحانه قال: " الله خالق كل شئ " (الزمر: 62) بل بمعنى أنه الباعث لهم فيما ينتهزون إليه من نصرة الدين، والمكرم لهم بحبه لهم وحبهم له، والموفق لهم بالتذلل لأوليائه، والتعزز لأعدائه، والجهاد في سبيله، والاعراض عن كل لائمة، فنصرتهم للدين هي نصرته تعالى له بسببهم ومن طريقهم، وقريب الزمان وبعيده عند الله واحد، وإن كانت أنظارنا لقصورها تفرق في ذلك.
وأما قوله تعالى: " يحبهم ويحبونه " فالحب مطلق معلق على الذات من غير تقييده بوصف أو غير ذلك، أما حبهم لله فلازمه إيثارهم ربهم على كل شئ سواه مما يتعلق به نفس الانسان من مال أو جاه أو عشيرة أو غيرها، فهؤلاء لا يوالون أحدا من أعداء الله سبحانه، وإن والوا أحدا فإنما يوالون أولياء الله بولاية الله تعالى.
وأما حبه تعالى لهم فلازمه برأتهم من كل ظلم، وطهارتهم من كل قذارة معنوية من الكفر والفسق بعصمة، أو مغفرة إلهية عن توبة، وذلك أن جمل المظالم والمعاصي غير محبوبة لله كما قال تعالى: " فإن الله لا يحب الكافرين " (آل عمران: 32) وقال: " والله لا يحب الظالمين " (آل عمران: 57) وقال: " انه لا يحب المسرفين " (الانعام: 41) وقال: " والله لا يحب المفسدين " (المائدة: 64) وقال: " إن الله لا يحب المعتدين " (البقرة: 190) وقال: " إنه لا يحب المستكبرين " (النحل: 23) وقال: " إن الله لا يحب الخائنين " (الأنفال: 58) إلى غير ذلك من الآيات.
وفى هذه الآيات جماع الرذائل الانسانية، وإذا ارتفعت عن إنسان بشهادة محبة الله له اتصف بما يقابلها من الفضائل لان الانسان لا مخلص له عن أحد طرفي الفضيلة والرذيلة إذا تخلق بخلق.
فهؤلاء هم المؤمنون بالله حقا غير مشوب إيمانهم بظلم وقد قال تعالى: " الذين آمنوا