حميد " (إبراهيم: 8).
والمقام الذي هذه صفته لا يقتضى أزيد من التعرض لأصل الغرض، وهو الاخبار بالإتيان بقوم مؤمنين لا يرتدون عن دين الله، وأما أنهم يحبون الله ويحبهم، وأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين إلى آخر ما ذكر في الآية من الأوصاف فهى أمور زائدة يحتاج التعرض لها إلى اقتضاء زائد من المقام والحال.
ومن جهة أخرى نجد أن ما ذكر في الآية من الأوصاف أمور لا تخلو من الارتباط بما ذكر في الآيات السابقة من تولى اليهود والنصارى فإن اتخاذهم أولياء من دون المؤمنين لا يخلو من تعلق القلب بهم تعلق المحبة والمودة، وكيف يحتوى قلب هذا شأنه على محبة الله سبحانه وقد قال تعالى: " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " (الأحزاب: 4) ومن لوازم هذا التولي أن يتذلل المؤمن لهؤلاء الكفار، وأن يتعزز على المؤمنين ويترفع عنهم كما قال تعالى: " أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " (النساء: 139).
ومن لوازم هذا التولي المساهلة في الجهاد عليهم والانقباض عن مقاتلتهم، والتحرج من الصبر على كل حرمان، والتحمل لكل لائمة في قطع الروابط الاجتماعية معهم كما قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق - إلى أن قال - إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة " (الممتحنة: 1) وقال تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدأ بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " (الممتحنة: 4).
وكذلك الارتداد بمعناه اللغوي أو بالعناية التحليلية صادق على تولى الكفار كما قال تعالى في الآية السابقة (آية: 51): " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وقال أيضا: ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ " (آل عمران: 28) وقال تعالى: " إنكم إذا مثلهم " (النساء: 140).
فقد تبين بهذا البيان أن للآية اتصالا بما قبلها من الآيات وأن الآية مسوقة لاظهار أن دين الله في غنى عن أولئك الذين يخاف عليهم الوقوع في ورطة المخالفة وتولى اليهود والنصارى لدبيب النفاق في جماعتهم، واشتمالها على عدة مرضى القلوب لا يبالون باشتراء الدنيا بالدين، وإيثار ما عند أعداء الدين من العزة الكاذبة والمكانة الحيوية الفانية على حقيقة