العزة التي هي لله ولرسوله وللمؤمنين والسعادة الواقعية الشاملة على حياة الدنيا والآخرة.
وإنما أظهرت الآية ذلك بالانباء عن ملحمة غيبية أن الله سبحانه في قبال ما يلقاه الدين من تلون هؤلاء الضعفاء الايمان، واختيارهم محبة غير الله على محبته، وابتغاء العزة عند أعدائه ومساهلتهم في الجهاد في سبيله، والخوف من كل لومة وتوبيخ سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم.
وكثير من المفسرين وإن تنبهوا على اشتمال الآية على الملحمة وأطالوا في البحث عمن تنطبق عليه الآية مصداقا غير أنهم تساهلوا في تفسير مفرداتها فلم يعطوا ما ذكر فيها من الأوصاف حق معناها فآل الامر إلى معاملتهم كلام الله سبحانه معاملة كلام غيره وتجويز وقوع المسامحات والمساهلات العرفية فيه كما في غيره.
فالقرآن وإن لم يسلك في بلاغته مسلكا بدعا، ولم يتخذ نهجا مخترعا جديدا في استعمال الألفاظ وتركيب الجمل، ووضع الكلمات بحذاء معانيها بل جرى في ذلك مجرى غيره من الكلام. ولكنه يفارق سائر الكلام في أمر آخر، وهو أنا معاشر المتكلمين من البليغ وغيره إنما نبنى الكلام على أساس ما نعقله من المعاني، والمدرك لنا من المعاني إنما يدرك بفهم مكتسب من الحياة الاجتماعية التي اختلقناها بفطرتنا الانسانية الاجتماعية، ومن شأنها الحكم بالقياس، وعند ذلك ينفتح باب المسامحة والمساهلة على أذهاننا فنأخذ الكثير مكان الجميع، والغالب موضع الدائم، ونفرض كل أمر قياس أمرا مطلقا، ونلحق كل نادر بالمعدوم، ونجرى كل أمر يسير مجرى ما ليس بموجود يقول قائلنا: كذا حسن أو قبيح، وكذا محبوب أو مبغوض، وكذا محمود أو مذموم، وكذا نافع أو ضار، وفلان خير أو شرير، إلى غير ذلك فنطلق القوم في ذلك، وإنما هو كذلك في بعض حالاته وعلى بعض التقادير، وعند بعض الناس، وبالقياس إلى بعض الأشياء لا مطلقا، لكن القائل إنما يلحق بعض التقادير المخالفة بالعدم تسامحا في إدراكه وحكمه، هذا فيما أدركه من جهات الواقع الخارج، وأما ما يغفل عنه لمحدودية إدراكه من جهات الكون المربوطة فهو أكثر، فما يخبر به الانسان و يحدثه عن الخارج وخيلت له الإحاطة بالواقع إدراكا وكشفا فإنما هو مبنى على التسامح في بعض الجهات، والجهل في بعض آخر، وهو من الهزل إن قدرنا على أن نحيط بالواقع ثم نطبق كلامه عليه، فافهم ذلك.