تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ١٧٨
فالآية تنهاهم عما ليس لهم بحق وهو الخوف منهم على أنفسهم سواء أمروا بالخوف من الله أم لا ولذلك يعلل ثانيا الامر بالخوف من الله بقيد مشعر بالتعليل، وهو قوله:
" إن كنتم مؤمنين " وهذا بخلاف قوله: " فلا تخشوهم واخشون " فإن خشيتهم هذه خشية منهم على دينهم، وليست بمبغوضة لله سبحانه لرجوعها إلى ابتغاء مرضاته بالحقيقة، بل إنما النهى عنها لكون السبب الداعي إليها - وهو عدم يأس الكفار منه - قد ارتفع وسقط أثره فالنهي عنه إرشادي، فكذا الامر بخشية الله نفسه، ومفاد الكلام ان من الواجب أن تخشوا في أمر الدين، لكن سبب الخشية كان إلى يوم مع الكفار فكنتم تخشونهم لرجائهم في دينكم وقد يئسوا اليوم وانتقل السبب إلى ما عند الله فاخشوه وحده. فافهم ذلك.
فالآية لمكان قوله: " فلا تخشوهم واخشون " لا تخلو عن تهديد وتحذير، لان فيه أمرا بخشية خاصة دون الخشية العامة التي تجب على المؤمن على كل تقدير وفى جميع الأحوال، فلننظر في خصوصية هذه الخشية، وأنه ما هو السبب الموجب لوجوبها والامر بها؟.
لا إشكال في أن الفقرتين أعني قوله. " اليوم يئس "، وقوله: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي "، في الآية مرتبطتان مسوقتان لغرض واحد، وقد تقدم بيانه، فالدين الذي أكمله الله اليوم، والنعمة التي أتمها اليوم - وهما أمر واحد بحسب الحقيقة - هو الذي كان يطمع فيه الكفار ويخشاهم فيه المؤمنون فأيأسهم الله منه وأكمله وأتمه، ونهاهم عن أن يخشوهم فيه، فالذي أمرهم بالخشية من نفسه فيه هو ذاك بعينه وهو أن ينزع الله الدين من أيديهم، ويسلبهم هذه النعمة الموهوبة.
وقد بين الله سبحانه ان لا سبب لسلب النعمة إلا الكفر بها، وهدد الكفور أشد التهديد، قال تعالى: " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم " (الأنفال: 53) وقال تعالى: " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب " (البقرة: 211) وضرب مثلا كليا لنعمه وما يؤول إليه أمر الكفر بها فقال: " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " (النحل: 112).
فالآية أعني قوله: " اليوم يئس - إلى قوله - دينا " تؤذن بأن دين المسلمين في أمن
(١٧٨)
مفاتيح البحث: الخوف (2)، اللبس (1)، السب (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390