أو أن المراد بإكمال الدين إكماله بسد باب التشريع بعد هذه الآية المبينة لتفصيل محرمات الطعام، فما شأن الاحكام النازلة ما بين نزول المائدة ورحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ بل ما شأن سائر الأحكام النازلة بعد هذه الآية في سورة المائدة؟ تأمل فيه.
وبعد ذلك كله ما معنى قوله تعالى: " ورضيت لكم الاسلام دينا " - وتقديره:
اليوم رضيت (الخ) - لو كان المراد بالكلام الامتنان بما ذكر في الآية من المحرمات يوم عرفة من السنة العاشرة؟ وما وجه اختصاص هذا اليوم بأن الله سبحانه رضى فيه الاسلام دينا، ولا أمر يختص به اليوم مما يناسب هذا الرضى؟.
وبعد ذلك كله يرد على هذا الوجه أكثر الاشكالات الواردة على الوجوه السابقة أو ما يقرب منها مما تقدم بيانه، ولا نطيل بالإعادة.
أو أن المراد باليوم واحد من الأيام التي بين عرفة وبين ورود النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة على بعض الوجوه المذكورة في معنى يأس الكفار ومعنى إكمال الدين.
وفيه من الاشكال ما يرد على غيره على التفصيل المتقدم.
فهذا شطر من البحث عن الآية بحسب السير فيما قيل أو يمكن ان يقال في توجيه معناها، ولنبحث عنها من طريق آخر يناسب طريق البحث الخاص بهذا الكتاب.
قوله: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم " - واليأس يقابل الرجاء، والدين إنما نزل من عند الله تدريجا - يدل على أن الكفار قد كان لهم مطمع في دين المسلمين وهو الاسلام، وكانوا يرجون زواله بنحو منذ عهد وزمان، وأن أمرهم ذلك كان يهدد الاسلام حينا بعد حين، وكان الدين منهم على خطر يوما بعد يوم، وأن ذلك كان من حقه ان يحذر منه ويخشاه المؤمنون.
فقوله: " فلا تخشوهم " تأمين منه سبحانه للمؤمنين مما كانوا منه على خطر، ومن تسر به على خشية، قال تعالى: " ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم " (آل عمران: 69)، وقال تعالى: " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم ومن بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير " (البقرة: 109).