تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ١٧٥
والكفار لم يكونوا يتربصون الدوائر بالمسلمين إلا لدينهم، ولم يكن يضيق صدورهم وينصدع قلوبهم إلا من جهة ان الدين كان يذهب بسوددهم وشرفهم واسترسالهم في اقتراف كل ما تهواه طباعهم، وتألفه وتعتاد به نفوسهم، ويختم على تمتعهم بكل ما يشتهون بلا قيد وشرط.
فقد كان الدين هو المبغوض عندهم دون أهل الدين الا من جهة دينهم الحق فلم يكن في قصدهم إبادة المسلمين وإفناء جمعهم بل إطفاء نور الله وتحكيم أركان الشرك المتزلزلة المضطربة به، ورد المؤمنين كفارا كما مر في قوله: " لو يردونكم كفارا " (الآية) قال تعالى: " يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " (الصف: 9).
وقال تعالى: " فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " (المؤمن: 14).
ولذلك لم يكن لهم هم إلا ان يقطعوا هذه الشجرة الطيبة من أصلها، ويهدموا هذا البنيان الرفيع من أسه بتفتين المؤمنين وتسرية النفاق في جماعتهم وبث الشبه والخرافات بينهم لافساد دينهم.
وقد كانوا يأخذون بادئ الامر يفترون عزيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويستمحقون همته في الدعوة الدينية بالمال والجاه، كما يشير إليه قوله تعالى: " وانطلق الملا منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد " (ص: 6) أو بمخالطة أو مداهنة، كما يشير إليه قوله: " ودوا لو تدهن فيدهنون " (القلم: 9)، وقوله: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا " (أسرى: 74) وقوله: " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد " (الكافرون: 3) على ما ورد في أسباب النزول.
وكان آخر ما يرجونه في زوال الدين، وموت الدعوة المحقة، أنه سيموت بموت هذا القائم بأمره ولا عقب له، فإنهم كانوا يرون أنه ملك في صورة النبوة، وسلطنة في لباس الدعوة والرسالة فلو مات أو قتل لانقطع أثره ومات ذكره وذكر دينه على ما هو المشهود عادة من حال السلاطين والجبابرة أنهم مهما بلغ أمرهم من التعالي والتجبر وركوب رقاب الناس فإن ذكرهم يموت بموتهم، وسننهم وقوانينهم الحاكمة بين الناس وعليهم تدفن معهم في قبورهم، يشير إلى رجائهم هذا قوله تعالى: " إن شانئك هو الأبتر " (الكوثر: 3)
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390