ثم إنك بعد ما عرفت معنى اليأس في الآية تعرف أن اليوم في قوله: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " ظرف متعلق بقوله: " يئس " وأن التقديم للدلالة على تفخيم أمر اليوم، وتعظيم شأنه، لما فيه من خروج الدين من مرحلة القيام بالقيم الشخصي إلى مرحلة القيام بالقيم النوعي، ومن صفة الظهور والحدوث إلى صفة البقاء والدوام.
ولا يقاس الآية بما سيأتي من قوله: " اليوم أحل لكم الطيبات " (الآية) فإن سياق الآيتين مختلف فقوله: " اليوم يئس " في سياق الاعتراض، وقوله: " اليوم أحل "، في سياق الاستيناف، والحكمان مختلفان: فحكم الآية الأولى تكويني مشتمل على البشرى من وجه والتحذير من وجه آخر، وحكم الثانية تشريعي منبئ عن الامتنان. فقوله: " اليوم يئس " يدل على تعظيم أمر اليوم لاشتماله على خير عظيم الجدوى وهو يأس الذين كفروا من دين المؤمنين، والمراد بالذين كفروا - كما تقدمت الإشارة إليه - مطلق الكفار من الوثنيين واليهود والنصارى وغيرهم لمكان الاطلاق.
وأما قوله: " فلا تخشوهم واخشون فالنهي إرشادي لا مولوى، معناه أن لا موجب للخشية بعد يأس الذين كنتم في معرض الخطر من قبلهم - ومن المعلوم ان الانسان لا يهم بأمر بعد تمام اليأس من الحصول عليه ولا يسعى إلى ما يعلم ضلال سعيه فيه - فأنتم في أمن من ناحية الكفار، ولا ينبغي لكم مع ذلك الخشية منهم على دينكم فلا تخشوهم واخشوني.
ومن هنا يظهر أن المراد بقوله: " واخشون " بمقتضى السياق أن اخشوني فيما كان عليكم ان تخشوهم فيه لولا يأسهم وهو الدين ونزعه من أيديكم، وهذا نوع تهديد للمسلمين كما هو ظاهر، ولهذا لم نحمل الآية على الامتنان.
ويؤيد ما ذكرنا أن الخشية من الله سبحانه واجب على أي تقدير من غير أن يتعلق بوضع دون وضع، وشرط دون شرط، فلا وجه للاضراب من قوله: " فلا تخشوهم " إلى قوله: " واخشون " لولا أنها خشية خاصة في مورد خاص.
ولا تقاس الآية بقوله تعالى: " فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين " (آل عمران:
175) لان الامر بالخوف من الله في تلك الآية مشروط بالايمان، والخطاب مولوى، ومفاده انه لا يجوز للمؤمنين ان يخافوا الكفار على أنفسهم بل يجب ان يخافوا الله سبحانه وحده.