في تعين حمل اللفظ على استقسام اللحم قمارا؟ وهل يرتاب عارف بالكلام في ذلك.
نظير ذلك أن العمرة مصدر بمعنى العمارة، ولها معنى آخر وهو زيارة البيت الحرام، فإذا أضيف إلى البيت صح كل من المعنيين لكن لا يحتمل في قوله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " البقرة: 119. إلا المعنى الأول، والأمثلة في ذلك كثيرة.
وقوله: " ذلكم فسق يحتمل الإشارة إلى جميع المذكورات، والإشارة إلى الأخيرين المذكورين بعد قوله: " إلا ما ذكيتم " لحيلولة الاستثناء، والإشارة إلى الأخير ولعل الأوسط خير الثلاثة.
قوله تعالى: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون " أمر الآية في حلولها محلها ثم في دلالتها عجيب، فإنك إذا تأملت صدر الآية أعني قوله تعالى:
" حرمت عليكم الميتة والدم - إلى قوله: - ذلكم فسق " وأضفت إليه ذيلها أعني قوله:
" فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم " وجدته كلاما تاما غير متوقف في تمام معناه وإفادة المراد منه إلى شئ من قوله: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " (الخ) أصلا، وألفيته آية كاملة مماثلة لما تقدم عليها في النزول من الآيات الواقعة في سورة الأنعام والنحل والبقرة المبينة لمحرمات الطعام، ففي سورة البقرة: " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " ويماثله ما في سورتي الانعام والنحل.
وينتج ذلك أن قوله: " اليوم يئس الذين كفروا " (الخ) كلام معترض موضوع في وسط هذه الآية غير متوقف عليه لفظ الآية في دلالتها وبيانها، سواء قلنا: إن الآية نازلة في وسط الآية فتخللت بينها من أول ما نزلت، أو قلنا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أمر كتاب الوحي بوضع الآية في هذا الموضع مع انفصال الآيتين واختلافهما نزولا. أو قلنا:
إنها موضوعة في موضعها الذي هي فيه عند التأليف من غير أن تصاحبها نزولا، فإن شيئا من هذه الاحتمالات لا يؤثر أثرا فيما ذكرناه من كون هذا الكلام المتخلل متعرضا إذا قيس إلى صدر الآية وذيلها.
ويؤيد ذلك أن جل الروايات الواردة في سبب النزول - لو لم يكن كلها، وهى أخبار جمة - يخص قوله: " اليوم يئس الذين كفروا " " (الخ) بالذكر من غير أن يتعرض