بعد النبي.
وإذا كمل الدين في تشريعه، وتمت نعمة الولاية فقد رضيت لكم من حيث الدين الاسلام الذي هو دين التوحيد الذي لا يعبد فيه إلا الله ولا يطاع فيه - والطاعة عبادة - إلا الله ومن أمر بطاعته من رسول أو ولى.
فالآية تنبئ عن أن المؤمنين اليوم في أمن بعد خوفهم، وأن الله رضى لهم أن يتدينوا بالاسلام الذي هو دين التوحيد فعليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا بطاعة غير الله أو من أمر بطاعته. وإذا تدبرت قوله تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " (النور: 55) ثم طبقت فقرات الآية على فقرات قوله تعالى:
" اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " (الخ) وجدت آية سورة المائدة من مصاديق إنجاز الوعد الذي يشتمل عليه آية سورة النور على أن يكون قوله: " يعبدونني لا يشركون بي شيئا " مسوقا سوق الغاية كما ربما يشعر به قوله: " ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ".
وسورة النور قبل المائدة نزولا كما يدل عليه اشتمالها على قصة الإفك وآية الجد وآية الحجاب وغير ذلك.
قوله تعالى: " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم " المخمصة هي المجاعة، والتجانف هو التمايل من الجنف بالجيم وهو ميل القدمين إلى الخارج مقابل الحنف بالحاء الذي هو ميلهما إلى الداخل.
وفى سياق الآية دلالة اولا على أن الحكم حكم ثانوي اضطراري، وثانيا على أن التجويز والإباحة مقدر بمقدار يرتفع به الاضطرار ويسكن به ألم الجوع، وثالثا على أن صفة المغفرة ومثلها الرحمة كما تتعلق بالمعاصي المستوجبة للعقاب كذلك يصح أن تتعلق بمنشأها، وهو الحكم الذي يستتبع مخالفته تحقق عنوان المعصية الذي يستتبع العقاب.