المسلمين وأنه كان ناقصا فأكمله الله وأتم نعمته عليهم، ولم يكن لهم قبل الاسلام دين حتى يطمع فيه الكفار أو يكمله الله ويتم نعمته عليهم.
على أن لازم ما ذكر من المعنى أن يتقدم قوله: " اليوم أكملت "، على قوله: " اليوم يئس الذين كفروا "، حتى يستقيم الكلام في نظمه.
أو أن المراد باليوم هو ما بعد فتح مكة حيث أبطل الله فيه كيد مشركي قريش وأذهب شوكتهم، وهدم فيه بنيان دينهم، وكسر أصنامهم، فانقطع رجاؤهم أن يقوموا على ساق، ويضادوا الاسلام ويمانعوا نفوذ أمره وانتشار صيته؟.
لا سبيل إلى ذلك أيضا فإن الآية تدل على إكمال الدين وإتمام النعمة ولما يكمل الدين بفتح مكة - وكان في السنة الثامنة من الهجرة - فكم من فريضة نزلت بعد ذلك، وكم من حلال أو حرام شرع فيما بينه وبين رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
على أن قوله: " الذين كفروا " يعم جميع مشركي العرب ولم يكونوا جميعا آئسين من دين المسلمين، ومن الدليل عليه أن كثيرا من المعارضات والمواثيق على عدم التعرض كانت باقية بعد على اعتبارها واحترامها، وكانوا يحجون حجة الجاهلية على سنن المشركين، وكانت النساء يحججن عاريات مكشوفات العورة حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام بآيات البراءة فأبطل بقايا رسوم الجاهلية.
أو أن المراد باليوم ما بعد نزول البراءة من الزمان حيث انبسط الاسلام على جزيرة العرب تقريبا، وعفت آثار الشرك، وماتت سنن الجاهلية فما كان المسلمون يرون في معاهد الدين ومناسك الحج أحدا من المشركين، وصفا لهم الامر، وأبدلهم الله بعد خوفهم أمنا يعبدونه ولا يشركون به شيئا؟
لا سبيل إلى ذلك فإن مشركي العرب وإن أيسوا من دين المسلمين بعد نزول آيات البراءة وطي بساط الشرك من الجزيرة وإعفاء رسوم الجاهلية إلا أن الدين لم يكمل بعد، وقد نزلت فرائض وأحكام بعد ذلك، ومنها ما في هذه السورة: (سورة المائدة)، وقد اتفقوا على نزولها في آخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها شئ كثير من أحكام الحلال والحرام والحدود والقصاص.
فتحصل أنه لا سبيل إلى احتمال أن يكون المراد باليوم في الآية معناه الوسيع مما