والموقوذة هي التي تضرب حتى تموت، والمتردية هي التي تردت أي سقطت من مكان عال كشاهق جبل أو بئر ونحوهما.
والنطيحة هي التي ماتت عن نطح نطحها به غيرها، وما أكل السبع هي التي أكلها أي أكل من لحمها السبع فإن الاكل يتعلق بالمأكول سواء أفنى جميعه أو بعضه والسبع هو الوحش الضاري كالاسد والذئب والنمر ونحوها.
وقوله " إلا ما ذكيتم " استثناء لما يقبل التذكية بمعنى فرى الأوداج الأربعة منها كما إذا كانت فيها بقية من الحياة يدل عليها مثل حركة ذنب أو أثر تنفس ونحو ذلك، والاستثناء كما ذكرنا آنفا متعلق بجميع ما يقبله من المعدودات من دون أن يتقيد بالتعلق بالأخير من غير دليل عليه.
وهذه الأمور الخمسة أعني المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع كل ذلك من أفراد الميتة ومصاديقها، بمعنى أن المتردية أو النطيحة مثلا إنما تحرمان إذا ماتتا بالتردي والنطح، والدليل على ذلك قوله: " إلا ما ذكيتم " فإن من البديهي أنهما لا تؤكلان ما دامت الروح في جثمانهما، وإنما تؤكلان بعد زهوقها وحينئذ فإما أن تذكيا أو لا، وقد استثنى الله سبحانه التذكية فلم يبق للحرمة إلا إذا ماتتا عن ترد أو نطح من غير تذكية، وأما لو تردت شاة - مثلا - في بئر ثم أخرجت سليمة مستقيمة الحال فعاشت قليلا أو كثيرا ثم ماتت حتف أنفها أو ذكيت بذبح فلا تطلق عليها المتردية، يدل على ذلك السياق فإن المذكورات فيها ما إذا هلكت، واستند هلاكها إلى الوصف الذي ذكر لها كالانخناق والوقذ والتردي والنطح.
والوجه في تخصيص هذه المصاديق من الميتة بالذكر رفع ما ربما يسبق إلى الوهم أنها ليست ميتة بناء على أنها أفراد نادرة منها، والذهن يسبق غالبا إلى الفرد الشائع، وهو ما إذا ماتت بمرض ونحوه من غير أن يكون لمفاجأة سبب من خارج، فصرح تعالى بهذه الافراد والمصاديق النادرة بأسمائها حتى يرتفع اللبس وتتضح الحرمة.
قوله تعالى: " وما ذبح على النصب " قال الراغب في المفردات: نصب الشئ وضعه وضعا ناتئا كنصب الرمح والبناء والحجر، والنصيب الحجارة تنصب على الشئ، وجمعه نصائب ونصب، وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها قال: " كأنهم إلى نصب