فإن الله غفور رحيم " فآية المائدة بالنسبة إلى هذه المعاني المشتركة بينها وبين تلك مؤكدة لتلك الآيات.
بل النهى عنها وخاصة عن الثلاثة الأول أعني الميتة والدم ولحم الخنزير أسبق تشريعا من نزول سورتي الانعام والنحل المكيتين، فإن آية الانعام تعلل تحريم الثلاثة أو خصوص لحم الخنزير بأنه رجس، فتدل على تحريم أكل الرجز، وقد قال تعالى في سورة المدثر - وهى من السور النازلة في أول البعثة -: " والرجز فاهجر " (المدثر: 5).
وكذلك ما عده تعالى بقوله " والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع " جميعا من مصاديق الميتة بدليل قوله " إلا ما ذكيتم " فإنما ذكرت في الآية لنوع عناية بتوضيح أفراد الميتة ومزيد بيان للمحرمات من الأطعمة من غير أن تتضمن الآية فيها على تشريع حديث.
وكذلك ما عده الله تعالى بقوله " وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق " فإنهما وإن كانا أول ما ذكرا ذكرا في هذه السورة لكنه تعالى علل تحريمهما أو تحريم الثاني منهما - على احتمال ضعيف - بالفسق، وقد حرم الفسق في آية الانعام، وكذا قوله " غير متجانف لاثم " يدل على تحريم ما ذكر في الآية لكونه إثما، وقد دلت آية البقرة على تحريم الاثم، وقال تعالى أيضا: " وذروا ظاهر الاثم وباطنه " (الانعام:
120)، وقال تعالى: قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم " (الأعراف: 33).
فقد اتضح وبان أن الآية لا تشتمل فيما عدته من المحرمات على أمر جديد غير مسبوق بالتحريم فيما تقدم عليها من الآيات المكية أو المدنية المتضمنة تعداد محرمات الأطعمة من اللحوم ونحوها.
قوله تعالى: " والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم " المنخنقة هي البهيمة التي تموت بالخنق، وهو أعم من أن يكون عن اتفاق أو بعمل عامل اختيارا، ومن أن يكون بأي آلة ووسيلة كانت كحبل يشد على عنقها ويسد بضغطه مجرى تنفسها، أو بإدخال رأسها بين خشبتين، كما كانت هذه الطريقة وأمثالها دائرة بينهم في الجاهلية.