(بيان) الآيات تذكر سؤال أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنزيل كتاب من السماء عليهم حيث لم يقنعوا بنزول القرآن بوحي الروح الأمين نجوما، ونجيب عن مسألتهم.
قوله تعالى: " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " أهل الكتاب هم اليهود والنصارى على ما هو المعهود في عرف القرآن في أمثال هذه الموارد، وعليه فالسائل هو الطائفتان جمعيا دون اليهود فحسب.
ولا ينافيه كون المظالم والجرائم المعدودة في ضمن الآيات مختصة باليهود كسؤال الرؤية، واتخاذ العجل، ونقض الميثاق عند رفع الطور والامر بالسجدة والنهى عن العدو في السبت وغير ذلك.
فإن الطائفتين ترجعان إلى أصل واحد وهو شعب إسرائيل بعث إليهم موسى وعيسى عليهما السلام وإن انتشرت دعوة عيسى بعد رفعه في غير بني إسرائيل كالروم والعرب والحبشة ومصر وغيرهم، وما قوم عيسى بأقل ظلما لعيسى من اليهود لموسى عليه السلام.
ولعد الطائفتين جميعا ذا أصل واحد يخص اليهود بالذكر فيما يخصهم من الجزاء حيث قال: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " ولذلك أيضا عد عيسى بين الرسل المذكورين بعد كما عد موسى عليه السلام بينهم ولو كان وجه الكلام إلى اليهود فقط لم يصح ذلك، ولذلك أيضا قيل بعد هذه الآيات: " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا ألحق إنما المسيح " (الخ).
وبالجملة السائل هم أهل الكتاب جميعا ووجه الكلام معهم لاشتراكهم في الخصيصة القومية وهو التحكم والقول بغير الحق والمجازفة وعدم التقيد بالعهود والمواثيق، والكلام جار معهم فيما اشتركوا فإذا اختص منهم طائفة بشئ خص الكلام به.
والذي سألوه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أن ينزل عليهم كتابا من السماء، ولم يسألوه ما سألوه قبل نزول القرآن وتلاوته عليهم كيف والقصة إنما وقعت في المدينة وقد بلغهم من القرآن ما نزل بمكة وشطر مما نزل بالمدينة؟ بل هم ما كانوا يقنعون به دليلا للنبوة،