وربما ذكر بعض محققي التاريخ أن القصص التاريخية المضبوطة فيه عليه السلام والحوادث المربوطة بدعوته وقصص معاصريه من الحكام والدعاة تنطبق على رجلين اثنين مسميين بالمسيح - وبينهما ما يزيد على خمسمائة سنة -: المتقدم منهما محق غير مقتول، والمتأخر منهما مبطل مصلوب، (1) وعلى هذا فما يذكره القرآن من التشبيه هو تشبيه المسيح عيسى بن مريم رسول الله بالمسيح المصلوب. والله أعلم.
وقوله " وإن الذين اختلفوا فيه " أي اختلفوا في عيسى أو في قتله " لفى شك منه " أي في جهل بالنسبة إلى أمره " ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " وهو التخمين أو رجحان ما بحسب ما أخذه بعضهم من أفواه بعض.
وقوله " وما قتلوه يقينا " أي ما قتلوه قتل يقين أو ما قتلوه أخبرك خبر يقين، وربما قيل: إن الضمير في قوله " وما قتلوه " راجع إلى العلم أي ما قتلوا العلم يقينا. وقتل العلم لغة تمحيضه وتخليصه من الشك والريب، وربما قيل: إن الضمير يعود إلى الظن أي ما محضوا ظنهم وما تثبتوا فيه، وهذا المعنى على تقدير ثبوته معنى غريب لا يحمل عليه لفظ القرآن.
قوله تعالى: " بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما " وقد قص الله سبحانه هذه القصة في سورة آل عمران فقال: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى " (آل عمران: 55) فذكر التوفي ثم الرفع.
وهذه الآية بحسب السياق تنفى وقوع ما ادعوه من القتل والصلب عليه فقد سلم من قتلهم وصلبهم، وظاهر الآية أيضا ان الذي ادعى إصابة القتل والصلب إياه، وهو عيسى عليه السلام بشخصه البدني هو الذي رفعه الله إليه، وحفظه من كيدهم فقد رفع عيسى بجسمه وروحه لا انه توفى ثم رفع روحه إليه تعالى فهذا مما لا يحتمله ظاهر الآية بمقتضى السياق فان الاضراب الواقع في وله " بل رفعه الله إليه " لا يتم بمجرد رفع الروح بعد الموت الذي يصح أن يجامع القتل والموت حتف الانف.
فهذا الرفع نوع التخليص الذي خلصه الله به وأنجاه من أيديهم سواء كان توفى عند ذلك بالموت حتف الانف أو لم يتوف حتف الانف ولا قتلا وصلبا بل بنحو آخر لا نعرفه أو كان حيا باقيا بإبقاء الله بنحو لا نعرفه فكل ذلك محتمل.