وليس من المستحيل أن يتوفى الله المسيح ويرفعه إليه ويحفظه، أو يحفظ لله حياته على نحو لا ينطبق على العادة الجارية عندنا فليس يقصر عن ذلك سائر ما يقتصه القرآن الكريم من معجزات عيسى نفسه في ولادته وحياته بين قومه، وما يحكيه من معجزات إبراهيم وموسى وصالح وغيرهم، فكل ذلك يجرى مجرى واحدا يدل الكتاب العزيز على ثبوتها دلالة لا مدفع لها إلا ما تكلفه بعض الناس من التأويل تحذرا من لزوم خرق العادة وتعطل قانون العلية العام، وقد مر في الجزء الأول من هذا الكتاب استيفاء البحث عن الاعجاز وخرق العادة.
وبعد ذلك كله فالآية التالية لا تخلو عن إشعار أو دلالة على حياته عليه السلام وعدم توفيه بعد.
قوله تعالى: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ". " ان " نافية والمبتدء محذوف يدل عليه الكلام في سياق النفي، والتقدير:
وإن أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن، والضمير في قوله " به " وقوله " يكون " راجع إلى عيسى، وأما الضمير في قوله " قبل موته " ففيه خلاف.
فقد قال بعضهم: إن الضمير راجع إلى المقدر من المبتدء وهو أحد، والمعنى: وكل واحد من أهل الكتاب يؤمن قبل موته بعيسى أي يظهر له قبيل الموت عند الاحتضار أن عيسى، كان رسول الله وعبده حقا وإن كان هذا الايمان منه إيمانا لا ينتفع به، ويكون عيسى شهيدا عليهم جميعا يوم القيامة سواء آمنوا به إيمانا ينتفع به أو إيمانا لا ينتفع به كمن آمن به عند موته.
ويؤيده أن إرجاع ضمير " قبل موته " إلى عيسى يعود إلى ما ورد في بعض الاخبار أن عيسى حي لم يمت، وأنه ينزل في آخر الزمان فيؤمن به أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهذا يوجب تخصيص عموم قوله " وإن من أهل الكتاب " من غير مخصص، فإن مقتضى الآية على هذا التقدير أن يكون يؤمن بعيسى عند ذلك النزول من السماء الموجودون من أهل الكتاب دون المجموع منهم، ممن وقع بين رفع عيسى ونزوله فمات ولم يدرك زمان نزوله، فهذا تخصيص لعموم الآية من غير مخصص ظاهر.
وقد قال آخرون: إن الضمير راجع إلى عيسى عليه السلام والمراد به إيمانهم به عند