اجتماعية عليه بحيث تصلح شأن حياته الاجتماعية ولا تشغله عن التخلص إلى عالم العلم والعرفان ثم بتحميل تكاليف عبادية يوجب العمل بها والمزاولة عليها توجه نفسه وخلوص قلبه إلى المبدء والمعاد وإشرافه على عالم المعنى والطهارة والتجنب عن قذارة الماديات وثقلها.
وأنت إذا أحسنت التدبر في قوله تعالى " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " الفاطر - 10 وضممته إلى ما سمعت إجماله في قوله تعالى ولكن يريد ليطهركم الآية وإلى قوله تعالى: " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " المائدة - 105 وقوله تعالى: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " المجادلة - 11 وما يشابهه من الآيات اتضح لك الغرض الإلهي في تشريع الدين وهداية الانسان إليه والسبيل الذي سلكه لذلك فافهم.
و يتفرع على هذا البيان نتيجة مهمة: هي أن القوانين الاجتماعية في الاسلام مقدمة للتكاليف العبادية مقصودة لاجلها والتكاليف العبادية مقدمة للمعرفة بالله وبآياته فأدنى الاخلال أو التحريف أو التغيير في الاحكام الاجتماعية من الاسلام يوجب فساد العبودية وفساد العبودية يؤدي إلى اختلال أمر المعرفة.
وهذه النتيجة على أنها واضحة التفرع على البيان - تؤيدها التجربة أيضا فإنك إذا تأملت جريان الامر في طروق الفساد في شؤون الدين الاسلامي بين هذه الأمة وأمعنت النظر فيه من أين شرع وفي أين ختم وجدت أن الفتنة ابتدأت من الاجتماعيات ثم توسطت في العباديات ثم انتهت إلى رفض المعارف وقد ذكرناك فيما مر أن الفتنة شرعت باتباع المتشابهات وابتغاء تأويلها ولم يزل الامر على ذلك حتى اليوم.
ومنها أن الهداية الدينية إنما بنيت على نفي التقليد عن الناس وركوز العلم بينهم ما أستطيع فإن ذلك هو الموافق لغايتها التي هي المعرفة وكيف لا؟ ولا يوجد بين كتب الوحي كتاب ولا بين الأديان دين يعظمان من أمر العلم ويحرضان عليه بمثل ما جاء به القرآن والاسلام!
وهذا المعنى هو الموجب لان يبين الكتاب للانسان حقائق المعارف أولا وارتباط ما شرعه له من الاحكام العملية بتلك الحقائق ثانيا وبعبارة أخرى إن يفهمه: