الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خصال - أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتلوا - وأن يفتح لهم الكتاب - فيأخذه المؤمن يبتغى تأويله - وما يعلم تأويله إلا الله - والراسخون في العلم يقولون آمنا به - كل من عند ربنا وما يذكر إلا اولوا الألباب - وأن يكثر علمهم فيضيعونه ولا يبالون به وهذا الحديث على تقدير دلالته على النفي لا يدل إلا على نفيه عن مطلق المؤمن لا عن خصوص الراسخين في العلم ولا ينفع المستدل إلا الثاني.
ومثل الروايات الدالة على وجوب اتباع المحكم والايمان بالمتشابه وعدم دلالتها على النفي مما لا يرتاب فيه.
ومثل ما في تفسير الآلوسي عن ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا: أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله ومن ادعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب والحديث مع كونه مرفوعا ومعارضا بما نقل عنه من دعوة الرسول له وادعائه العلم به لنفسه مخالف لظاهر القرآن: أن التأويل غير المعنى المراد بالمتشابه على ما عرفت فيما مر.
والذي ينبغي؟؟ أن يقال أن القرآن يدل على جواز العلم بتأويله لغيره تعالى وأما هذه الآية فلا دلالة لها على ذلك.
أما الجهة الثانية فلما مر في البيان السابق أن الآية بقرينة صدرها وذيلها وما تتلوها من الآيات إنما هي في مقام بيان انقسام الكتاب إلى المحكم والمتشابه وتفرق الناس في الاخذ بها فهم بين مائل إلى اتباع المتشابه لزيغ في قلبه وثابت على اتباع المحكم والايمان بالمتشابه لرسوخ في علمه فإنما القصد الأول في ذكر الراسخين في العلم بيان حالهم وطريقتهم في الاخذ بالقرآن ومدحهم فيه قبال ما ذكر من حال الزائغين وطريقتهم وذمهم والزائد على هذا القدر خارج عن القصد الأول ولا دليل على تشريكهم في العلم بالتأويل مع ذلك إلا وجوه غير تامة تقدمت الإشارة إليها فيبقى الحصر المدلول عليه بقوله تعالى " وما يعلم تأويله إلا الله من غير ناقض ينقضه من عطف واستثناء وغير ذلك فالذي تدل عليه الآية هو انحصار العلم بالتأويل فيه تعالى واختصاصه به.
لكنه لا ينافي دلالة دليل منفصل يدل على علم غيره تعالى به بإذنه كما في نظائره