دالتين على بدلين محذوفين والتقدير فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن الداخل وحج المستطيع للبيت.
ولا ريب في كون كل واحد من هذه الأمور آية بينة دالة بوقوعها على الله سبحانه مذكرة لمقامه إذ ليست الآية إلا العلامة الدالة على الشئ بوجه وأي علامة دالة عليه تعالى مذكرة لمقامه أعظم وأجلى في نظر أهل الدنيا من موقف إبراهيم ومن حرم آمن يأمن من دخله ومن مناسك وعبادات يأتي بها الألوف بعد الألوف من الناس تتكرر بتكرر السنين ولا تنسخ بانتساخ الليالي والأيام وأما كون كل آية أمرا خارقا للعادة ناقضا للسنة الطبيعة فليس من الواجب ولا لفظ الآية بمفهومه يدل عليه ولا استعماله في القرآن ينحصر فيه قال تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها الآية: البقرة - 106 وهي تشمل الاحكام المنسوخة في الشرع قطعا وقال تعالى أتبنون بكل ريع آية تعبثون: الشعراء - 128 إلى غير ذلك من الآيات.
ومن هنا يظهر ما في إصرار بعض المفسرين على توجيه كون المقام آية خارقة وكون الامن والحج مذكورين لغير غرض بيان الآية.
وكذا إصرار آخرين على أن المراد بالآيات البينات أمور اخر من خواص الكعبة وقد أغمضنا عن ذكرها ومن أرادها فليراجع بعض مطولات التفاسير فإن ذلك مبني على كون المراد من الآيات الآيات المعجزة وخوارق العادة ولا دليل على ذلك كما مر.
فالحق أن قوله ومن دخله كان آمنا مسوق لبيان حكم تشريعي لا خاصة تكوينية غير أن الظاهر أن يكون الجملة إخبارية يخبر بها عن تشريع سابق للأمن كما ربما استفيد ذلك من دعوة إبراهيم المذكورة في سورتي إبراهيم والبقرة وقد كان هذا الحق محفوظا للبيت قبل البعثة بين عرب الجاهلية ويتصل بزمن إبراهيم عليه السلام.
وأما كون المراد من حديث الامن هو الاخبار بأن الفتن والحوادث العظام لا تقع ولا ينسحب ذيلها إلى الحرم فيدفعه وقوع ما وقع من الحروب والمقاتلات واختلال الامن فيه وخاصة ما وقع منها قبل نزول هذه الآية وقوله تعالى أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم: العنكبوت - 67 لا يدل على أزيد من استقرار الامن واستمراره في الحرم وليس ذلك إلا لما يراه الناس من