علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل: المائدة - 110 وقد تقدم إشباع الكلام في معنى الشفاعة وهذا غير التفدية التي يقول بها النصارى وهي إبطال الجزاء بالفدية والعوض فإنها تبطل السلطنة المطلقة الإلهية على ما سيجئ من بيانه والآية إنما تنفي ذلك وأما الشفاعة فالآية غير متعرضة لأمرها لا إثباتا ولا نفيا فإنها لو كانت بصدد إثباتها على منافاته (1) للمقام لكان حق الكلام أن يقال وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ولو كانت بصدد نفيها لم يكن لذكر الشهادة على الناس وجه وهذا إجمال ما سيأتي في تفسير الآيات تفصيله إنشاء الله تعالى.
وأما ما قاله الناس في عيسى عليه السلام فإنهم وإن تشتتوا في مذاهبهم بعده واختلفوا في مسالكهم بما ربما جاوز السبعين من حيث كليات ما اختلفوا فيه وجزئيات المذاهب والآراء كثيرة جدا.
لكن القرآن إنما يهتم بما قالوا به في أمر عيسى نفسه وامه لمساسه بأساس التوحيد الذي هو الغرض الوحيد فيما يدعو إليه القرآن الكريم والدين الفطري القويم وأما بعض الجزئيات كمسألة التحريف ومسألة التفدية فلم يهتم به ذاك الاهتمام والذي حكاه القرآن الكريم عنهم أو نسبة إليهم ما في قوله تعالى وقالت النصارى المسيح ابن الله: التوبة - 30 وما في معناه كقوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه: الأنبياء - 26 وما في قوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم: المائدة - 72 وما في قوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة: المائدة - 73 وما في قوله تعالى ولا تقولوا ثلثة: النساء - 171.
وهذه الآيات وإن اشتملت بظاهرها على كلمات مختلفة ذوات مضامين ومعان متفاوتة ولذلك ربما حملت (2) على اختلاف المذاهب في ذلك كمذهب الملكانية القائلين بالبنوة الحقيقية والنسطورية القائلين بأن النزول والبنوة من قبيل إشراق النور على جسم شفاف كالبلور واليعقوبية القائلين بأنه من الانقلاب وقد انقلب الاله سبحانه لحما ودما.