فهذا ما شوهد من حال المسيح عليه السلام حين مكثه بين الناس ولا يرتاب ذو عقل أن من كان هذا شأنه فهو إنسان كسائر الاناسي من نوعه وإذا كان كذلك فهو مخلوق مصنوع كسائر أفراد نوعه وأما صدور الخوارق وتحقق المعجزات بيده كإحياء الأموات وخلق الطير وإبراء الاكمه والأبرص وكذا تحقق الخوارق من الآيات في وجوده كتكونه من غير أب فإنما هي أمور خارقة للعادة المألوفة والسنة الجارية في الطبيعة فإنها نادرة الوجود لا مستحيلته فهذا آدم تذكر الكتب السماوية أنه خلق من تراب ولا أب له وهؤلاء أنبياء الله كصالح وإبراهيم وموسى عليهم السلام جرت بأيديهم آيات معجزة كثيرة مذكورة في مسفورات الوحي من غير أن تقتضي فيهم ألوهية ولا خروجا عن طور الانسانية.
وهذه الطريقة هي المسلوكة في قوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد إلى أن قال ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون: المائدة - 75 وقد خص أكل الطعام من بين جميع الأفعال بالذكر لكونه من أحسنها دلالة على المادية واستلزاما للحاجة والفاقة المنافية للألوهية فمن المعلوم أن من يجوع ويظمأ بطبعه ثم يشبع بأكله أو يرتوى بشربه ليس عنده غير الحاجة والفاقة التي لا يرفعها إلا غيره وما معنى ألوهية من هذا شأنه فإن الذي قد أحاطت به الحاجة واحتاج في رفعها إلى الخارج من نفسه فهو ناقص في نفسه مدبر بغيره وليس بإله غني بذاته بل هو مخلوق مدبر بربوبية من ينتهي إليه تدبيره.
وإلى هذا يمكن أن يرجع قوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وامه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شئ قدير: المائدة - 17.
وكذا قوله تعالى في ذيل الآية المنقولة سابقا آية 75 خطابا للنصارى قل أ تعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم: المائدة - 76.
فإن الملاك في هذا النوع من الاحتجاجات هو أن الذي شوهد من أمر المسيح