أنه كان يعيش على الناموس الجاري في حياة الانسان متصفا بجميع صفاته وأفعاله وأحواله النوعية كالاكل والشرب وسائر الاحتياجات الانسانية والخواص البشرية ولم يكن هذا التلبس والاتصاف بحسب ظاهر الحس أو تسويل الخيال فحسب بل كان على الحقيقة وكان المسيح عليه السلام إنسانا ذا هذه الأوصاف والأحوال والافعال والأناجيل مشحونة بتسميته نفسه إنسانا وابن الانسان مملوءة بالقصص الناطقة بأكله وشربه ونومه ومشيه ومسافرته وتعبه وتكلمه ونحو ذلك بحيث لا يقبل شئ منها صرفا ولا تأويلا ومع تسليم هذه الأمور يجري على المسيح ما يجري على غيره فهو لا يملك من غيره شيئا كغيره ويمكن أن يهلك كغيره.
وكذا حديث عبادته ودعائه بحيث لا يرتاب في أن ما كان يأتيه من عبادة فإنما للتقرب من الله والخضوع لقدس ساحته لا لتعليم الناس أو لأغراض اخر تشابه ذلك.
وإلى حديث العبادة والاحتجاج به يؤمي قوله تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا: النساء - 172 فعبادة المسيح أول دليل على أنه ليس بإله وأن الألوهية لغيره لا نصيب له فيها فأي معنى لنصب الشئ نفسه في مقام العبودية والمملوكية لنفسه وكون الشئ قائما بنفسه من عين الجهة التي بها يقوم نفسه والامر ظاهر وكذا عبادة الملائكة كاشفة عن أنها ليست ببنات الله سبحانه ولا أن روح القدس إله بعد ما كانوا بأجمعهم عابدين لله طائعين له كما قال تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون: الأنبياء - 28.
على أن الأناجيل مشحونة بأن الروح طائع لله ورسله مؤتمر للامر محكوم بالحكم ولا معنى لأمر الشئ نفسه ولا لطاعته لذاته ولا لانقياده وائتماره لمخلوق نفسه.
ونظير عبادة المسيح لله سبحانه في الدلالة على المغايرة دعوته الناس إلى عبادة الله كما يشير إليه قوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار: المائدة - 72 وسبيل الآية واحتجاجها ظاهر.