صدرهم وسلفهم من الايمان بعيسى عليه السلام واتباعه وقد كان إيمانا مرضيا واتباعا حقا وإن كان الله سبحانه لم يرتض اتباعهم له عليه السلام بعد ظهور الاسلام ولا اتباع أهل التثليث منهم قبل ظهور الدعوة الاسلامية.
فالمراد جعل النصارى وهم الذين اتبع أسلافهم عيسى عليه السلام فوق اليهود وهم الذين كفروا بعيسى عليه السلام ومكروا به والغرض في المقام بيان نزول السخط الإلهي على اليهود وحلول المكر بهم وتشديد العذاب على أمتهم ولا ينافي ما ذكرناه كون المراد بالاتباع هو الاتباع على الحق كما استظهرناه في أول الكلام كما لا يخفى.
ويؤيد هذا المعنى تغيير الأسلوب في الآية الآتية أعني قوله وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذ لو كان المراد بالذين اتبعوا هم أهل الحق والنجاة من النصارى والمسلمين فقط كان الأنسب أن يقال وأما الذين اتبعوك فيوفيهم أجورهم من غير تغيير للسياق كما لا يخفى.
وهيهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالذين اتبعوا هم النصارى والمسلمون قاطبة وتكون الآية مخبرة عن كون اليهود تحت إذلال من يذعن لزوم اتباع عيسى إلى يوم القيامة والتقريب عين التقريب وهذا أحسن الوجوه في توجيه الآية عند التدبر.
قوله تعالى ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون وقد جمع سبحانه في هذا الخطاب بين عيسى وبين الذين اتبعوه والذين كفروا به وهذا مآل أمرهم يوم القيامة وبذلك يختتم أمر عيسى وخبره من حين البشارة به إلى آخر أمره ونبأه.
قوله تعالى فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة ظاهره أنه متفرع على قوله فأحكم بينكم تفرع التفصيل على الاجمال فيكون بيانا للحكم الإلهي في يوم القيامة بالعذاب لليهود الذين كفروا وتوفية الاجر للمؤمنين.
لكن اشتمال التفريع على قوله في الدنيا يدل على كونه متفرعا على مجموع قوله وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا ثم إلى مرجعكم الخ فيدل على أن نتيجة هذا الجعل والرجوع تشديد العذاب عليهم في الدنيا بيد الذين فوقهم الله تعالى عليهم وفي الآخرة بالنار وما لهم في ذلك من ناصرين