ما نسمعه ويسمعه من الكلام المعتاد والأصوات المسموعة في عالم المادة غير أنه لا يشاركه في ما يسمعه من كلام الملك غيره ولذا كان أمرا قلبيا.
وأما علمه بأن ما حدث به من كلام الملك لا من نزغة الشيطان فذلك بتأييد من الله سبحانه وتسديد كما يشير إليه ما في رواية محمد بن مسلم المتقدمة أنه يعطي السكينة والوقار حتى يعلم أنه ملك وذلك أن النزغة الشيطانية إما باطل في صورته الباطلة عند الانسان المؤمن فظاهر أنه ليس من حديث الملائكة المكرمين الذين لا يعصون الله وأما باطل في صورة حق وسيستتبع باطلا فالنور الإلهي الذي يلازم العبد المؤمن يبين حاله قال تعالى " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " الانعام - 122 والنزغة والوسوسة مع ذلك كله لا تخلو عن اضطراب في النفس وتزلزل في القلب كما أن ذكر الله وحديثه لا ينفك عن الوقار وطمأنينة الباطن قال تعالى " ذلكم الشيطان يخوف أوليائه " آل عمران - 175 وقال " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد - 28 وقال " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " الأعراف - 201 فالسكينة والطمأنينة عندما يلقى إلى الانسان من حديث أو خاطر دليل كونه إلقاءا رحمانيا كما أن الاضطراب والقلق دليل على كونه إلقاء شيطانا ويلحق بذلك العجلة والجزع والخفة ونحوها.
وأما ما في الروايات من أن المحدث يسمع الصوت ولا يعاين الملك فمحمول على الجهة دون التمانع بين المعنيين بمعنى أن الملاك في كون الانسان محدثا أن يسمع الصوت من غير لزوم الرؤية فإن اتفق أن شاهد الملك حين ما يسمع الصوت فليس ذلك لأنه محدث وذلك لان الآيات صريحة في رؤية بعض المحدثين للملائكة حين التحديث كقوله تعالى في مريم " فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال انما انا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا الآيات " مريم - 19 وقوله تعالى - في زوجة إبراهيم في قصة البشارة " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام إلى إن قال -: وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " هود - 73.