إنما يكون بتعلمها من الرسول واتباعه عملا حتى يشاهد أنه عامل بما يدعو إليه لا يتخطاه ولا يتعداه والظاهر أن هذه الشهادة هي التي يومي إليها قوله تعالى فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين: الأعراف - 6 وهي الشهادة على التبليغ وأما قوله تعالى وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين: المائدة - 83 فهو شهادة على حقية رسالة الرسول دون التبليغ والله أعلم.
وربما أمكن أن يستفاد من قولهم فاكتبنا مع الشاهدين بعد استشهادهم الرسول على إسلامهم أن المسئول أن يكتبهم الله من شهداء الأعمال كما يلوح ذلك مما حكاه الله تعالى في دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا: البقرة - 128 وليرجع إلى ما ذكرناه في ذيل الآية.
قوله تعالى ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، الماكرون هم بنو إسرائيل بقرينة قوله فلما أحس عيسى منهم الكفر وقد مر الكلام في معنى المكر المنسوب إليه تعالى في ذيل قوله وما يضل به إلا الفاسقين: البقرة - 26.
قوله تعالى إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك التوفي أخذ الشئ أخذا تاما ولذا يستعمل في الموت لان الله يأخذ عند الموت نفس الانسان من بدنه قال تعالى توفته رسلنا: الانعام - 61 أي أماتته وقال تعالى وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد إلى أن قال قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم:
السجدة - 11 وقال تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى: الزمر - 42 والتأمل في الآيتين الأخيرتين يعطي أن التوفي لم يستعمل في القرآن بمعنى الموت بل بعناية الاخذ والحفظ وبعبارة أخرى إنما استعمل التوفي بما في حين الموت من الاخذ للدلالة على أن نفس الانسان لا يبطل ولا يفني بالموت الذي يظن الجاهل أنه فناء وبطلان بل الله تعالى يحفظها حتى يبعثها للرجوع إليه وإلا فهو سبحانه يعبر في الموارد التي لا تجري فيه هذه العناية بلفظ الموت دون التوفي كما في قوله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت