قوله ثم قال له كن على انتفاء التدريج فإن النسبة مختلفة فهذه الموجودات بأجمعها أعم من التدريجي الوجود وغيره مخلوقة لله سبحانه موجودة بأمره الذي هو كلمة كن كما قال تعالى إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون: يس - 82 وكثير منها تدريجية الوجود إذا قيست حالها إلى أسبابها التدريجية وأما إذا لوحظ بالقياس إليه تعالى فلا تدريج هناك ولا مهلة كما قال تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر: القمر - 50 وسيجئ زيادة توضيح لهذا المعنى إنشاء الله تعالى في محله المناسب له.
على أن عمدة ما سيق لبيانه قوله ثم قال له كن إنه تعالى لا يحتاج في خلق شئ إلى الأسباب حتى يختلف حال ما يريد خلقه من الأشياء بالنسبة إليه تعالى بالامكان والاستحالة والهوان والعسر والقرب والبعد باختلاف أحوال الأسباب الدخيلة في وجوده فما أراده وقال له كن كان من غير حاجة إلى الأسباب الدخيلة عادة.
قوله تعالى الحق من ربك فلا تكن من الممترين تأكيد لمضمون الآية السابقة بعد تأكيده بأن ونحوه نظير تأكيد تفصيل القصة بقوله ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم الآية وفيه تطييب لنفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه على الحق وتشجيع له في المحاجة.
وهذا أعني قوله الحق من ربك من أبدع البيانات القرآنية حيث قيد الحق بمن الدالة على الابتداء دون غيره بأن يقال الحق مع ربك لما فيه من شائبة الشرك ونسبة العجز إليه تعالى بحسب الحقيقة.
وذلك أن هذه الأقاويل الحقة والقضايا النفس الامرية الثابتة كائنة ما كانت وان كانت ضرورية غير ممكنة التغير عما هي عليه كقولنا الأربعة زوج والواحد نصف الاثنين ونحو ذلك إلا أن الانسان إنما يقتنصها من الخارج الواقع في الوجود والوجود كله منه تعالى فالحق كله منه تعالى كما أن الخير كله منه ولذلك كان تعالى لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فإن فعل غيره إنما يصاحب الحق إذا كان حقا وأما فعله تعالى فهو الوجود الذي ليس الحق إلا صورته العلمية.