وأطيعون متفرع على إتيان الآية لا على إحلال المحرمات فهو لدفع الوهم ويمكن أن يكون هو مراد من قال إن إعادة الجملة للتفرقة بين ما قبلها وما بعدها فإن مجرد التفرقة ليست من المزايا في الكلام.
قوله تعالى إن الله ربي وربكم فاعبدوه فيه قطع لعذر من اعتقد الوهيته لتفرسه عليه السلام ذلك منهم أو لعلمه بذلك بالوحي كما ذكرنا نظير ذلك في تقييد قوله فيكون طيرا وقوله وأحيي الموتى بقوله بإذن الله لكن الظاهر من قوله تعالى فيما يحكى قول عيسى عليه السلام ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم: المائدة - 117 أن ذلك كان بأمر من ربه ووحى منه.
قوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله لما كانت البشارة التي بشر بها مريم مشتملة على جمل قصص عيسى عليه السلام من حين حمله إلى حين رسالته ودعوته اقتصر عليها اقتصاصا إيجازا في الكلام وفرع عليها تتمة الجملة من قصته وهو انتخابه حوارييه ومكر قومه به ومكر الله بهم في تطهيره منهم وتوفيه ورفعه إليه وهو تمام القصة.
وقد اعتبر في القصة المقدار الذي يهم إلقائه إلى النصارى حين نزول الآيات وهم نصارى نجران الوفد الذين أتوا المدينة للبحث الاحتجاج ولذلك أسقط منها بعض الخصوصيات التي تشتمل عليه قصصه المذكورة في سائر السور القرآنية كسورة النساء والمائدة والأنبياء والزخرف والصف.
وفي استعمال لفظ الاحساس في مورد الكفر مع كونه أمرا قلبيا إشعار بظهوره منهم حتى تعلق به الاحساس أو أنهم هموا بإيذائه وقتله بسبب كفرهم فأحس به فقوله فلما أحس عيسى أي استشعر واستظهر منهم أي من بني إسرائيل المذكور اسمهم في البشارة الكفر قال من أنصاري إلى الله وإنما أراد بهذا الاستفهام أن يتميز عدة من رجال قومه فيتمحضوا للحق فتستقر فيهم عدة الدين وتتمركز فيهم قوته ثم تنتشر من عندهم دعوته وهذا شأن كل قوة من القوى الطبيعية والاجتماعية وغيرها إنها إذا شرعت في الفعل ونشر التأثير وبث العمل كان من اللازم أن تتخذ لنفسها كانونا تجتمع فيه وتعتمد عليه وتستمد منه ولولا ذلك لم تستقر على عمل وذهبت سدى لا تجدي نفعا.