في الانباء فإن القلوب الساذجة تقبل ألوهية خالق الطير ومحيي الموتى بأدنى وسوسة ومغلطة بخلاف ألوهية من يخبر بالمغيبات فإنها لا تذعن باختصاص الغيب بالله سبحانه بل تعتقده أمرا مبتذلا جايز النيل لكل مرتاض أو كاهن مشعبذ فكان من الواجب عند مخاطبتهم أن يقيد الآيتين المذكورتين بالاذن دون الأخيرة وكذا الابراء فيكفي فيها مجرد ذكر أنها آية من الله وخاصة إذا القي الخطاب إلى قوم يدعون أنهم مؤمنون ولذلك ذيل الكلام بقوله إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين أي إن كنتم صادقين في دعواكم الايمان.
قوله تعالى ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم عطف على قوله ورسولا إلى بني إسرائيل وكون المعطوف مبنيا على التكلم مع كون المعطوف عليه مبنيا على الغيبة أعني كون عيسى عليه السلام في قوله ومصدقا لما بين يدي متكلما وفي قوله ورسولا إلى بني إسرائيل غائبا ليس مما يضر بالعطف بعد تفسير قوله ورسولا إلى بني إسرائيل بقول عيسى أني قد جئتكم فإن وجه الكلام يتبدل بذلك من الغيبة إلى الحضور فيستقيم به العطف وتصديقه للتوراة التي بين يديه إنما هو تصديق لما علمه الله من التوراة على ما تفيده الآية السابقة وهو التوراة الأصل النازلة على موسى عليهما السلام فلا دلالة لكونه مصدقا للتوراة التي في زمانه على كونها غير محرفة كما لا دلالة لتصديق نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم للتوراة التي بين يديه على كونها غير محرفة.
قوله تعالى ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم فإن الله تعالى كان حرم عليهم بعض الطيبات قال تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم الآية: النساء - 160.
والكلام لا يخلو عن دلالة على إمضائه عليه السلام لاحكام التوراة إلا ما نسخه الله تعالى بيده من الاحكام الشاقة المكتوبة على اليهود ولذا قيل إن الإنجيل غير مشتمل على الشريعة وقوله ولاحل معطوف على قوله بآية من ربكم واللام للغاية والمعنى قد جئتكم لأنسخ بعض الأحكام المحرمة المكتوبة عليكم.
قوله تعالى وجئتكم بآية من ربكم الظاهر أنه لبيان أن قوله فاتقوا الله