استدلالا بالآيات المعجزة الصادرة عنه عليه السلام ولذا كان يقيد كل آية يخبر بها عن نفسه مما يمكن أن يضلوا به كالخلق وإحياء الموتى بإذن الله ثم ختم الكلام بقوله إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم.
وظاهر قوله أني أخلق لكم " الخ " أن هذه الآيات كانت تصدر عنه صدورا خارجيا لا أن الكلام مسوق لمجرد الاحتجاج والتحدي ولو كان مجرد قول لقطع العذر وإتمام الحجة لكان من حق الكلام أن يقيد بقيد يفيد ذلك كقولنا إن سألتم أو أردتم أو نحو ذلك.
على أن ما يحكيه الله سبحانه من مشافهته لعيسى يوم القيامة يدل على وقوع هذه الآيات أتم الدلالة قال " إذ قال الله يا عيسى بن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك - إلى إن قال -: وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الاكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى الآية " المائدة - 110.
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم أن قصارى ما تدل عليه الآية أن الله سبحانه جعل في عيسى بن مريم هذا السر وأنه احتج على الناس بذلك وأتم الحجة عليهم بحيث لو سألوه شيئا من ذلك لأتى به أما أن كلها أو بعضها وقع فلا دلالة فيها على ذلك.
قوله تعالى وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم وهذا إخبار بالغيب المختص بالله تعالى ومن خصه من رسله بالوحي وهو آية أخرى وإخبار بغيب صريح التحقق لا يتطرق إليه الشك والريب فإن الانسان لا يشك عادة فيما أكله ولا فيما ادخره في بيته.
وإنما لم يقيد هذه الآية بإذن الله مع أن الآية لا تتحقق إلا بإذن منه تعالى كما قال " وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله " المؤمن - 78 لان هذه الآية عبر عنها بالانباء وهو كلام قائم بعيسى عليه السلام يعد فعلا له فلا يليق أن يسند إلى ساحة القدس بخلاف الآيتين السابقتين أعني الخلق والاحياء فإنها فعل الله بالحقيقة ولا ينسبان إلى غيره إلا بإذنه.
على أن الآيتين المذكورتين ليستا كالانباء فإن الضلال إلى الناس فيهما أسرع منه