وكيف كان ففيه دلالة على أنه سيعيش حتى يبلغ سن الكهولة ففيه بشارة أخرى لمريم.
وفي التصريح بذلك مع دلالة الأناجيل على أنه لم يعش في الأرض أكثر من ثلاث وثلاثين سنة نظر ينبغي أن يمعن فيه ولذا ربما قيل إن تكليمه للناس كهلا إنما هو بعد نزوله من السماء فإنه لم يمكث في الأرض ما يبلغ به سن الكهولة وربما قيل إن الذي يعطيه التاريخ بعد التثبت أن عيسى عليه السلام عاش نحوا من أربع وستين سنه خلافا لما يظهر من الأناجيل.
والذي يظهر من سياق قوله في المهد وكهلا أنه لا يبلغ سن الشيخوخة وإنما ينتهي إلى سن الكهولة وعلى هذا فقد أخذ في البيان كلامه في طرفي عمره الصبي والكهولة.
والمعهود من وضع الصبي في المهد أن يوضع فيه أوائل عمره ما دام في القماط قبل أن يدرج ويمشي وهو في السنة الثانية فما دونها غالبا وهو سن الكلام فكلام الصبي في المهد وإن لم يكن في نفسه من خوارق العادة لكن ظاهر الآية أنه يكلم الناس في المهد كلاما تاما يعتني به العقلاء من الناس كما يعتنون بكلام الكهل وبعبارة أخرى يكلمهم في المهد كما يكلمهم كهلا والكلام من الصبي بهذه الصفة آية خارقة.
على أن القصة في سورة مريم تبين أن تكليمه الناس إنما كان لأول ساعة أتت به مريم إلى الناس بعد وضعه وكلام الصبي لأول يوم ولادته آية خارقة لا محالة قال تعالى " فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت الآيات " مريم - 31.
قوله تعالى قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر خطابها لربها مع كون المكلم إياها الروح المتمثل بناءا على ما تقدم أن خطاب الملائكة وخطاب الروح وكلامهم كلام الله سبحانه فقد كانت تعلم أن الذي يكلمها هو الله سبحانه وإن كان الخطاب متوجها إليها من جهة الروح المتمثل أو الملائكة ولذلك خاطبت ربها.