لا تكون إلا مرائا ولجاجا في البحث وثانيا على أن الحكم في حق الناس والامر مطلقا إلى الله سبحانه وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه رسول مبلغ لا حاكم مسيطر كما قال تعالى ليس لك من الامر شئ:
آل عمران - 128 وقال تعالى لست عليهم بمسيطر: الغاشية - 23 وثالثا على تهديد أهل الكتاب والمشركين فإن ختم الكلام بقوله والله بصير بالعباد بعد قوله فإنما عليك البلاغ لا يخلو من ذلك ويدل على ذلك ما وقع من التهديد في نظير الآية وهو قوله تعالى قولوا آمنا بالله إلى أن قال ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم: البقرة - 137 تذكر الآية أن أهل الكتاب إن تولوا عن الاسلام فهم مصرون على الخلاف ثم يهددهم بما يسلي به النبي ويطيب نفسه فالآية أعني قوله وإن تولوا فإنما عليك البلاغ كناية عن الامر بتخلية ما بينهم وبين ربهم وإرجاع أمرهم إليه وهو بصير بعباده يحكم فيهم بما تقتضيه حالهم ويسأله لسان استعدادهم.
ومن هنا يظهر أن ما ذكره بعض المفسرين أن في الآية دليلا على حرية الاعتقاد في أمر الدين وأن لا إكراه فيه ليس بوجيه فإن الآية كما عرفت مسوقه لغير ذلك.
وفي قوله بصير بالعباد حيث أخذ عنوان العبودية ولم يقل بصير بهم أو بصير بالناس ونحو ذلك إشعار بأن حكمه نافذ فيهم ماض عليهم فإنهم عباده ومربوبون له أسلموا أو تولوا.
قوله تعالى إن الذين يكفرون بآيات الله إلى آخر الآية الكلام في الآية وإن كان مسوقا سوق الاستيناف لكنه مع ذلك لا يخلو عن إشعار وبيان للتهديد الذي يشعر به آخر الآية السابقة فإن مضمونها منطبق على أهل الكتاب وخاصة اليهود.
وقوله يكفرون ويقتلون في موضعين للاستمرار ويدلان على كون الكفر بآيات الله وهو الكفر بعد البيان بغيا وقتل الأنبياء وهو قتل من غير حق وقتل الذين يدعون إلى القسط والعدل وينهون عن الظلم والبغي دأبا وعادة جارية فيما بينهم كما يشتمل عليه تاريخ اليهود فقد قتلوا جمعا كثيرا وجما غفيرا من أنبيائهم وعبادهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكذا النصارى جروا مجراهم.