لا يشرب مسكرا ولا يسكر " (1) وفي أخرى: " ان المراد به سكر الشراب ثم نسختها تحريم الخمر " (2).
أقول: لما كانت الحكمة تقتضي تحريم الخمر متدرجا، كما سبق بيانه في سورة البقرة (3)، وكان قوم من المسلمين يصلون سكارى منها، قبل استقرار تحريمها، نزلت هذه الآية وخوطبوا بمثل هذا الخطاب، ثم لما ثبت تحريمها واستقر وصاروا ممن لا ينبغي أن يخاطبوا بمثله، لان المؤمنين لا يسكرون من الخمر بعد أن حرمت عليهم، جاز أن يقال: الآية منسوخة بتحريم الخمر. بمعنى عدم حسن خطابهم بمثله بعد ذلك، لا بمعنى جواز الصلاة مع السكر، ثم لما عم الحكم ساير ما يمنع من حضور القلب، جاز أن يفسر بسكر النوم ونحوه تارة، وأن يعم الحكم أخرى، فلا تنافي بين هذه الروايات.
(ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا). قال: " الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، فإن الله يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " " (4) أقول: المستفاد من مجموع هذه الروايات أن الله سبحانه أطلق ملفوظ الصلاة ومقدرها على معنيين: أحدهما إقامة الصلاة، بقرينة قوله " حتى تعلموا ما تقولون "، والآخر موضع الصلاة، بقرينة قوله: " إلا عابري سبيل ". ومثل هذا يسمى في صناعة البلاغة بالاستخدام. والمفسرون لما لم يتفطنوا لهذه الدقيقة وراموا حملهما على معنى واحد تكلفوا في معنى الآية بما لا ينبغي.
(وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط). كناية عن الحدث،