التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج ١ - الصفحة ٢١١
لا يشرب مسكرا ولا يسكر " (1) وفي أخرى: " ان المراد به سكر الشراب ثم نسختها تحريم الخمر " (2).
أقول: لما كانت الحكمة تقتضي تحريم الخمر متدرجا، كما سبق بيانه في سورة البقرة (3)، وكان قوم من المسلمين يصلون سكارى منها، قبل استقرار تحريمها، نزلت هذه الآية وخوطبوا بمثل هذا الخطاب، ثم لما ثبت تحريمها واستقر وصاروا ممن لا ينبغي أن يخاطبوا بمثله، لان المؤمنين لا يسكرون من الخمر بعد أن حرمت عليهم، جاز أن يقال: الآية منسوخة بتحريم الخمر. بمعنى عدم حسن خطابهم بمثله بعد ذلك، لا بمعنى جواز الصلاة مع السكر، ثم لما عم الحكم ساير ما يمنع من حضور القلب، جاز أن يفسر بسكر النوم ونحوه تارة، وأن يعم الحكم أخرى، فلا تنافي بين هذه الروايات.
(ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا). قال: " الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، فإن الله يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " " (4) أقول: المستفاد من مجموع هذه الروايات أن الله سبحانه أطلق ملفوظ الصلاة ومقدرها على معنيين: أحدهما إقامة الصلاة، بقرينة قوله " حتى تعلموا ما تقولون "، والآخر موضع الصلاة، بقرينة قوله: " إلا عابري سبيل ". ومثل هذا يسمى في صناعة البلاغة بالاستخدام. والمفسرون لما لم يتفطنوا لهذه الدقيقة وراموا حملهما على معنى واحد تكلفوا في معنى الآية بما لا ينبغي.
(وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط). كناية عن الحدث،

1 - العياشي 1: 242، الحديث: 137، عن أبي عبد الله عليه السلام.
2 - مجمع البيان 3 - 4: 51، عن موسى بن جعفر عليهما السلام.
3 - ذيل الآية: 219.
4 - علل الشرايع 1: 288، الباب: 210، الحديث: 1، والعياشي 1: 243، الحديث: 138، عن أبي جعفر عليه السلام.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست