في سورة طه عند قوله تعالى (ولا يفلح الساحر حيث أتى) نكر الساحر أولا وعرف ثانيا وإنما نكر من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العجاج في سعى دنيا الخ، وفى حديث عمر رضي الله عنه:
إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة. المراد تنكير الأمر كأنه قيل: إنما صنعوا كيد سحري وفى سعى دنيوي وأمر دنيوي وآخري، يقال جاء يمشى سبهللا إذا جاء وذهب في غير شئ: أي يوم القيامة ترى النفوس ما أعدته أي جعلته عدة.
الحمد لله الذي استقلت * بإذنه السماء واطمأنت بإذنه الأرض وما تعنت * أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت * والجاعل الغيث غياث الأمة والجامع الناس ليوم البعثة * بعد الممات وهو محيى الموت يوم ترى النفوس ما أعدت * من نزل إذا الأمور غبت في سعى دنيا طالما تعنت قوله من نزل بيان ما أعدت. وقوله غبت: أي بلغت غبها وآخرها في سعى دنيوي مدة دنياه وأمهلت. وقوله في سعى دنيا ظرف لغبت، وإنما نكر دنيا لتنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه، كما في الآية، والمراد تنكير السعي: أي في سعى دنيوي.
(فلو كان الأطبا كان حولي * وكان مع الأطباء الأساة) قال ابن العيني: لم أقف على قائله. في سورة المؤمنون عند قوله تعالى (قد أفلح المؤمنون) قال الزمخشري:
وعن طلحة أفلح بضمة بغير واو اجتزاء عنها كقوله * فلو أن الأطباء كان حولي * أي كانوا، وقصر الأطباء للضرورة. والأساءة جمع آس كرماة في رام، وقد اجتزى بضم كانوا الأولى عن الواو، قيل الأساة هم الأطباء ويحتمل أنه أراد الحذاق من الأطباء، وأراد بالأطباء مطلق الأطباء حتى يصح قوله:
* وكان مع الأطباء الأساة * لأنه لا يصح إلا بعد ثبوت المغايرة بين الأطباء والأساة، ويحتمل أن يكون التعريف في الأطباء للجنس، وفى الأساة للعهد، أو أراد بالأطباء علماء الطب وبالأساة المعالجين منهم.
(المطعمون الطعام في السنة الأزمة * والفاعلون للزكوات) في سورة المؤمنون عند قوله تعالى (والذين هم للزكاة فاعلون) الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى، فالعين:
القدر الذي يخرجه المزكى من النصاب إلى الفقير، والمعنى: فعل المزكى الذي هو التركية، كما أن الذكاة بمعنى التذكية في قوله صلى الله عليه وسلم " ذكاة الجنين ذكاة أمه " وهو الذي أراده الله تعالى فجعل المزكين فاعلين له، ولا يسوغ فيه غيره لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل ويقال لمحدثه فاعل، تقول الضارب فاعل الضرب والقاتل فاعل القتل والمزكى فاعل الزكاة وعلى هذا الكلام كله، والتحقيق فيه أنك تقول في جميع الحوادث: من فاعل هذا؟ فيقال لك: فاعله الله أو بعض الخلق. ولم تمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها فاعلون بخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل، ولكن لأن الخلق ليسوا بفاعليها، وقد أنشدوا لأمية بن أبي الصلت: المطعمون الطعام الخ. ويجوز أن يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء، وحمل البيت على هذا أصح لأنها فيه