تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٣٥٢
في الدنيا، وقوله وأشعرن اعتراض: أي لا حاجة إلى تمنى الشعور فإنه حاصل، وأعلم أنى إن عملت خيرا جزيته وإن عملت شرا كذلك.
(أسيئى بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت) هو لكثير عزة من قصيدته المشهورة. في التوبة عند قوله تعالى (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين) أي أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم؟ ونحوه (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) أي وانظر هل ترى اختلافا بين حال الاستغفار وتركه. يقول لعزة: امتحني لطف محلك عندي وقوة محبتي لك وعامليني بالإساءة والإحسان، وانظري هل يتفاوت حالي معك مسيئة كنت أو محسنة فلا نلومك، وفى معناه قول القائل:
أخوك الذي إن قمت بالسيف عامدا * لتضربه لم يستغشك في الود ولو جئت تبغى كفه لتبينها * لبادر إشفاقا عليك من الرد يرى أنه في الود وإن مقصر * على أنه قد زاد فيه على الجهد وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يوسف عند قوله تعالى (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن) فإن المشهور استعمال الإحسان بإلى نحو (أحسن كما أحسن الله إليك) ولما تضمن معنى اللطف تعدى بالباء كقوله (وبالوالدين إحسانا) وكذلك بيت كثير عزة. قال أبو الحسين محمد بن أحمد بن طباطبا في كتاب عيار الشعر:
قال العلماء: لو قال هذا البيت في وصف الدنيا لكان أشعر الناس، ومن أخوات هذا البيت:
وقلت لها يا عز كل مصيبة * إذا وطنت يوما لها النفس ولت قال ابن طباطبا: قد قال العلماء: لو أن كثيرا جعل هذا البيت في وصف حرب لكان أشعر الناس، وسيأتى بقية أبيات هذه القصيدة في محلها قريبا إن شاء الله تعالى.
(إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم * فما على بذنب عندكم فوت) في سورة هود عند قوله تعالى (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية) أي أولو فضل وخير، وسمى الفضل والجود بقية لأن الرجل يستبقى مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلا في الجود والفضل. ويقال فلان من بقية القوم: أي من خيارهم وبه فسر بيت الحماسة بقيتكم، ومنه قولهم: في الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا. ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى كالتقية بمعنى التقوى: أي هلا كان منهم ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله؟ وفسرت البقية في البيت على وجهين: أحدهما أن يكون المعنى: ثم يأتيني خياركم وأماثلكم. والآخر أن يكون المعنى: ثم يأتيني بقيتكم الذين لم يذنبوا متنصلين. قوله بذنب: أي بسببه، وقد حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ويقال لأفوت عليك في كذا كما يقال لا بأس عليه; وفى هذا الكلام إعلام بأنه يستعمل الأناة والحلم معهم; والمعنى بالتفسير الأول: أو تذنبوا ثم يأتيني خياركم وأماثئكم يقيمون معذره بأنفسهم ويبينون أنهم لم يساعدوكم بالرأي ولا بالفعل، فما على بجزاء ذنب فوت وما يلحقكم من لائمة وعيب. وبالتفسير الآخر:
إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم الذين لم يذنبوا يعتذروا بأنهم فارقوكم لعظيم جنايتكم فلا تفوتني مؤاخذتكم ومحاسبتكم:
(يوم ترى النفوس ما أعدت * من نزل إذا الأمور غبت في سعى دنيا طالما قد مدت)
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»
الفهرست